وضع العمامة عن رأسه في وقت كذا فهو علامة لإرادته أمر كذا. وإذا وضعها عنه في الوقت الفلاني فهو علامة لإرادته الأمر الفلاني. ومن ثمة كانت الآلية والاستقلالية خارجتين عن حريم المعنى، وليستا من مقوماته وقيوده، بل من قيود العلقة الوضعية ومقوماتها. فلذا كان استعمال كل واحد من الحرف والاسم في موضوع الآخر بلا علقة وضعية وإن كان طبيعي المعنى واحدا فيهما كما عرفت، ولأجله لا يصح ذلك الاستعمال.
وبتعبير واضح: أن القيد تارة من الجهات الراجعة إلى اللفظ، واخرى من الجهات الراجعة إلى المعنى، وثالثة من الجهات الراجعة إلى الوضع نفسه.
أما على الأول: فيختلف اللفظ باختلافه: كالحركات والسكنات والتقدم والتأخر بحسب الحروف الأصلية الممتازة بالذات عما عداها، أو بالترتيب مثلا:
كلمة " بر " تختلف باختلاف الحركات والسكنات: " بر " بالكسر و " بر " بالضم و " بر " بالفتح. فللكلمة الأولى معنى، وللثانية معنى آخر، وللثالثة معنى ثالث، مع أنه لا تفاوت فيها بحسب حروفها الأصلية أصلا. وكلمة " علم " يختلف معناها بتقدم بعض حروفها الأصلية على بعضها الآخر، وتأخره عنه: ك " عمل أو لمع "، وهكذا في بقية الموارد...
وأما على الثاني: فيختلف المعنى باختلافه، فإن هيئة " القاعد " - مثلا - هيئة واحدة، ولكنها مع ذلك تختلف باختلاف الخصوصيات والحالات الطارئة عليها، فإذا كانت مسبوقة بالقيام يطلق عليها لفظ " قاعد "، وإذا كانت مسبوقة بالاضطجاع يطلق عليها لفظ " جالس "، وهكذا في غير ذلك من الموارد...
وأما على الثالث: فتختلف العلقة الوضعية باختلافه: كلحاظ الآلية والاستقلالية، فإنها إذا قيدت بالآلية تختلف عما إذا قيدت بالاستقلالية، وحينئذ فلما كانت العلقة مختصة في الحروف بما إذا قصد المعنى آلة، وفي الأسماء بما إذا قصد المعنى استقلالا فمن الواضح أنها تكون في الحروف والأدوات غير ما هي