محاضرات في أصول الفقه - آية الله العظمى الشيخ إسحاق الفياض - ج ١ - الصفحة ٢٩١
موضوعاتها، وبانقضائها وزوال التلبس عنها تنقضي بتاتا.
ومن هنا لم يلتزم الفقهاء بترتب أحكام الحائض، والنفساء، والمستحاضة، والزوجية وما شاكلها بعد انقضاء المبدأ عنها، حتى على القول بكون المشتق موضوعا للأعم، بل لم يحتمل ابتناء هذه المسائل وما شابهها على النزاع في مسألة المشتق، فتصبح المسألة بلا ثمرة مهمة.
وما نسبه شيخنا الأستاذ (1) - (قدس سره) - إلى الفخر الرازي غير صحيح، من أنه قد اعترف بدلالة الآية الشريفة على عدم لياقة الخلفاء الثلاثة للخلافة الإلهية أبدا، لأنهم كانوا عابدين للوثن في زمان معتد به، وفي ذلك الزمان شملهم قوله تعالى:
* (لا ينال عهدي الظالمين) * (2)، فدلت على عدم اللياقة إلى الأبد.

(١) انظر أجود التقريرات: ج ١ ص ٨٢.
(٢) واليك نص كلامه:
المسألة الرابعة: الروافض احتجوا بهذه الآية على القدح في امامة أبي بكر وعمر من ثلاثة أوجه:
الأول: أن أبا بكر وعمر كانا كافرين، فقد كانا حال كفرهما ظالمين، فوجب أن يصدق عليهما في تلك الحالة أنهما لا ينالان عهد الإمامة البتة، وإذا صدق عليهما في ذلك الوقت أنهما لا ينالان عهد الإمامة البتة ولا في شئ من الأوقات ثبت أنهما لا يصلحان للإمامة.
الثاني: أن من كان مذنبا في الباطن كان من الظالمين، فإذا ما لم يعرف أن أبا بكر وعمر ما كانا من الظالمين المذنبين ظاهرا وباطنا وجب أن لا يحكم بإمامتهما، وذلك إنما يثبت في حق من تثبت عصمته، ولما لم يكونا معصومين بالاتفاق وجب أن لا تتحقق إمامتهما البتة.
الثالث: قالوا: كانا مشركين، وكل مشرك ظالم، والظالم لا يناله عهد الإمامة فيلزم أن لا ينالهما عهد الإمامة. أما أنهما كانا مشركين فبالاتفاق، وأما أن المشرك ظالم فلقوله تعالى:
* (إن الشرك لظلم عظيم) *. وأما أن الظالم لا يناله عهد الإمامة فلهذه الآية.
لا يقال: إنهما كانا ظالمين حال كفرهما، فبعد زوال الكفر لا يبقى هذا الاسم.
لأنا نقول: الظالم من وجد منه الظلم، وقولنا: وجد منه الظلم أعم من قولنا: وجد منه الظلم في الماضي أو في الحال، بدليل: أن هذا المفهوم يمكن تقسيمه إلى هذين القسمين، ومورد التقسيم بالتقسيم بالقسمين مشترك بين القسمين، وما كان مشتركا بين القسمين لا يلزم انتفاؤه لانتفاء أحد القسمين، فلا يلزم من نفي كونه ظالما في الحال نفي كونه ظالما في الماضي.
والذي يدل عليه نظرا إلى الدلائل الشرعية: أن " النائم " يسمى مؤمنا، والإيمان هو التصديق، والتصديق غير حاصل حال كونه نائما فدل على أنه يسمى مؤمنا، لأن الإيمان كان حاصلا قبل، وإذا ثبت هذا وجب أن يكون ظالما لظلم وجد من قبل.
وأجاب عنه بقوله: كل ما ذكرتموه معارض بما أنه لو حلف لا يسلم على كافر فسلم على إنسان مؤمن في الحال، إلا أنه كان كافرا قبل بسنين متطاولة فإنه لا يحنث، فدل على ما قلناه، ولأن التائب عن الكفر لا يسمى كافرا، والتائب عن المعصية لا يسمى عاصيا (١).
انتهى كلامه.
وغير خفي: أن ما ذكره من الجواب عن دلالة الآية أجنبي عنها بالكلية، بل هما في طرفي النقيض، وذلك لأن دلالة الآية المباركة على الحكم المذكور مبنية على وجوه ثلاثة:
الأول: مناسبة الحكم والموضوع، فإنها تقتضي بقاء الحكم أبدا.
الثاني: الإتيان بصيغة المضارع وهي كلمة " لا ينال " وعدم توقيتها بوقت خاص فهي على هذا تدل على بقاء الحكم واستمراره حتى بعد زوال التلبس.
الثالث: ما ورد من نظائره في الشريعة المقدسة فإنه يدل على أن بقاء هذا الحكم في الآية المباركة وعدم زواله بزوال المبدأ أولى. ومن الواضح: أن شيئا من هذه الوجوه الثلاثة لا يجري فيما ذكره من الجواب، بل المتفاهم العرفي - كما عرفت من الأمثلة التي ذكرها - هو أن الحكم يدور مدار العنوان حدوثا وبقاء على عكس المتفاهم من الآية الكريمة.
على أن النذر تابع لقصد الناذر في الكيفية والكمية، وأجنبي عن دلالة اللفظ وظهوره في شئ.
(١) تفسير الرازي: ج ٤ ص ٤١ الطبعة الثانية في تفسير الآية: 124 من سورة البقرة.
(٢٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 ... » »»
الفهرست