فكذلك يحتمل لحاظ الثاني، وحيث إن كل واحد من اللحاظين حادث مسبوق بالعدم فجريان الأصل في أحدهما معارض بجريانه في الآخر. هذا مضافا إلى عدم جريانه في نفسه، لأن أصالة عدم لحاظ الخصوصية لا تثبت الوضع للأعم إلا على القول باعتبار الأصل المثبت، وكذا العكس. وعليه فتنتهي النوبة إلى الأصول الحكمية.
وذكر في الكفاية: أن هذه الأصول تختلف باختلاف الموارد، فالموارد التي يشك فيها في حدوث الحكم بعد زوال العنوان الذي اخذ في الموضوع يرجع فيها إلى أصالة البراءة، كما إذا فرضنا أن زيدا كان عالما ثم زال عنه العلم وبعد ذلك ورد في الدليل " أكرم كل عالم " فشككنا في وجوب إكرام " زيد " لاحتمال كون المشتق موضوعا للأعم.
وأما الموارد التي يشك فيها في بقاء الحكم بعد حدوثه وثبوته فالمرجع فيها هو الاستصحاب، وذلك كما لو كان زيد عالما وأمر المولى بوجوب " إكرام كل عالم " ثم بعد ذلك زال عنه العلم وأصبح جاهلا فلا محالة نشك في بقاء الحكم، لاحتمال كون المشتق موضوعا للأعم، إذا نستصحب بقاءه (1).
لا يخفى أن ما أفاده (قدس سره) أولا: من أنه لا أصل هنا ليعول عليه عند الشك في الوضع للمفهوم الوسيع أو الضيق فهو صحيح، لما عرفت.
وأما ما أفاده (قدس سره) ثانيا: من أنه لا مانع من الرجوع إلى الأصل الحكمي في المقام، وهو أصالة البراءة في موارد الشك في الحدوث، والاستصحاب في موارد الشك في البقاء فلا يمكن المساعدة عليه، وذلك لأنه لا فرق بين موارد الشك في الحدوث وموارد الشك في البقاء، ففي كلا الموردين كان المرجع هو أصالة البراءة دون الاستصحاب.