والوجه في ذلك: هو أنه لو تم ما ذكره لجرى ذلك في أسماء الفاعلين أيضا، فإن الهيئة فيها موضوعة لأن تدل على صدور الفعل عن الفاعل، ومن المعلوم أنه لا يتصور انقضاء الصدور عمن صدر عنه الفعل خارجا، لأن الشئ لا ينقلب عما وقع عليه، والمبدأ الواحد كالضرب - مثلا - لا يتفاوت حاله بالإضافة إلى الفاعل أو المفعول، غاية الأمر أن قيامه بأحدهما قيام صدوري، وبالآخر قيام وقوعي.
وحل ذلك: أن أسماء المفعولين كأسماء الفاعلين وضعت للمفاهيم الكلية، لما تقدم منا: من أن الألفاظ وضعت بإزاء المعاني التي هي قابلة للانطباق على ما في الخارج تارة، وعلى ما في الذهن أخرى، لا بإزاء الموجودات الخارجية، لأنها غير قابلة لأن تحضر في الأذهان، ومن هنا قد يكون للموضوع له مطابق في الخارج وقد لا يكون له مطابق فيه، فالمضروب - مثلا - قد يكون موجودا، وقد يكون معدوما، وهكذا الحال في سائر الألفاظ، فالنزاع هنا في أن اسم الفاعل أو اسم المفعول موضوع لمعنى لا ينطبق إلا على خصوص المتلبس أو للأعم منه ومن المنقضي.
وعلى الجملة: لا نجد فرقا بين اسم الفاعل والمفعول. فكما أن النزاع يجري في هيئة اسم الفاعل وأنها وضعت لمفهوم كان مطابقه في الخارج فردا واحدا وهو خصوص المتلبس بالمبدأ فعلا، أو فردين: أحدهما المتلبس والآخر المنقضي فكذلك يجري في هيئة اسم المفعول، وأنها وضعت لمعنى كان مطابقه في الخارج فردا واحدا أو فردين، مثلا: لو فرض أن زيدا كان عالما بقيام عمرو ثم زال عنه العلم به فكما أن النزاع جار في صحة إطلاق العالم على زيد وعدم صحة إطلاقه إلا مجازا فكذلك النزاع جار في صحة إطلاق المعلوم على قيام عمرو وعدم صحة إطلاقه عليه إلا على نحو المجاز، ضرورة أنه لا فرق بين الهيئتين هنا أصلا، فإن المبدأ في كلتيهما واحد، والمفروض أن ذلك المبدأ قد زال، وبزواله كان إطلاق العالم على زيد، وإطلاق المعلوم على قيام عمرو من الإطلاق على المنقضي