من جامع محمولات المسائل والحاصل ان الموضوع في كل مسألة عرض بالنسبة إلى جامع محمولات المسائل وبالعكس غاية الامر ان المتداول في عقد القضية جعل الأخص موضوعا والأعم محمولا.
(المقدمة الخامسة) ان المتداول وان كان جعل الأخص موضوعا والأعم محمولا ولكن النظم الطبيعي يقتضى جعل المعلوم من الامرين موضوعا، والمجهول منهما محمولا، فالموضوع بحسب الحقيقة هو المعلوم من الامرين، والمحمول هو تعينه المجهول الذي أريد في القضية اثباته، سواء كان الامر المجهول أعم بالنسبة إلى الموضوع أو مساويا له.
(إذا عرفت هذه المقدمات) تبين لك ان الحق مع القدماء، حيث قالوا: ان تمايز العلوم بتمايز الموضوعات، إذ المراد بموضوع العلم هو ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية وليس هو الا عبارة عن جامع محمولات المسائل الذي عرفت في المقدمة الثانية ان تمايز العلوم بتمايزه. ووجه كونه موضوعا ان جامع محمولات المسائل في كل علم هو الذي ينسبق أولا إلى الذهن، ويكون معلوما عنده، فيوضع في وعاء الذهن ويطلب في العلم تعيناته وتشخصاته التي تعرض له. مثلا في علم الإلهي بالمعنى الأعم يكون نفس الوجود معلوما لنا وحاضرا في ذهننا، فنطلب في العلم تعيناته وانقساماته اللاحقة له: من الوجوب والامكان والجوهرية والعرضية والجسمية ونحوها، فصورة القضية وان كان هو قولنا: (الجسم موجود) مثلا، ولكن الموضوع حقيقة هو عنوان الموجودية، فمحصل مسائله هو ان الوجود المعلوم لك، من خصوصياته وتعيناته وصف الجوهرية، ومن تعيناته وصف الجسمية وهكذا، ولذلك تريهم يقولون: ان موضوع الإلهي بالمعنى الأعم هو الوجود، مع أن الوجود يصير محمولا في القضايا المعقودة.
وكذلك في علم النحو، فان أول ما ينسبق إلى ذهن المتتبع لاستعمالات العرب، انما هو اعراب آخر الكلمة والاختلافات الواقعة فيه: من المرفوعية والمنصوبية و المجرورية، فيطلب في علم النحو الخصوصيات التي بسببها يتحقق الاعراب واختلافاته من الفاعلية والمفعولية ونحوهما، فالمسألة المعقودة وان كانت بصورة قولنا: الفاعل مرفوع، ولكن الموضوع حقيقة هو وصف المرفوعية، فمحصل مسائل علم النحو هو ان