بل هي بمعناها اللغوي، أعني ما يحتج به المولى على العبد وبالعكس في مقام الامتثال، فيكون القطع بقسميه أيضا من مصاديقها حقيقة. وعلي هذا فمبحث الاشتغال من مباحث الأصول حيث يرجع البحث فيه إلى البحث عن حجية العلم الاجمالي، وكذلك مبحث حجية الاستصحاب، بل ومبحث البراءة أيضا، إذ محصل البحث فيه هو أن صرف احتمال التكليف يكفى لتنجيز الواقع ويصح احتجاج المولى ومؤاخذته أم لا. وكذلك مسألة التخيير.
حيث إن المبحوث عنه فيها انه في مقام دوران الامر بين المحذورين هل يكون الاخذ بأحد الطرفين كافيا في احتجاج العبد على المولى؟ وهكذا البحث عن حجية المفاهيم، فان البحث فيها ليس في أصل ثبوت المفهوم، بل في حجيتها، حيث إن لذكر القيد الزايد مثل الشرط و الوصف وأمثالهما ظهورا ما في الدخالة بلا اشكال، وانما يقع البحث عن حجيتها، وسيأتي تحقيقه في محله (وبالجملة) فكل مسألة يكون حيثية البحث فيها حجية امر من الأمور التي تصلح للحجية أو يتوهم حجيتها فهي مسألة أصولية.
نعم لما كان حجية بعض الحجج امرا واضحا لم يتصدى القدماء للبحث عنها كمسألة حجية القطع مثلا، وكحجية الظواهر، حيث إن أصل حجية الظواهر كانت أمرا مفروغا عنها، وانما كان يقع الاشكال في بعض الموارد التي حصل فيها للكلام نحو اضطراب واختلال كالعام المخصص أو اللفظ المستعمل كثيرا في المعنى المجازى ونحو ذلك.
(وكيف كان) فهذه المسائل كلها مسائل أصولية. نعم بعض المباحث التي لم يكن المبحوث عنه فيها حيثية الحجية تكون خارجة من الأصول، وتدخل في سلك المبادئ كمسألة مقدمة الواجب ومبحث الضد وأمثالهما، فتدبر. (وقد تلخص) من جميع ما ذكرنا أن موضوع علم الأصول هو عنوان (الحجة في الفقه)، ومحصل مسائله تشخيص مصاديق الحجة وتعيناته.
ولذلك ترى الشافعي يبحث في رسالته التي ألفها في هذا الفن عن حجية الحجج الشرعية من الكتاب والسنة وأمثالهما، فتأمل في المقام، فإنه بالتأمل حقيق.
* * *