العلوم المتشتتة، بحيث قد أفرط فيه الباحثون وكبر حجم الكتب المؤلفة فيه.
وصار أمهات المسائل المبتلى بها كالضالة في أثناء سائر المسائل، بنحو يعسر افتقادها والاطلاع عليها، وكم سلكوا في توضيح مسائله سبلا شتى، كلها بعيدة عن أصل المقصود بمراحل، وبقي أصول المسائل غير منقحة كما كانت في الأوائل.
إلى أن انتهت رياسة الشيعة الإمامية، وزعامة حوزاتهم العلمية، إلى قطب فلك الفقاهة والاجتهاد، ومركز دائرة البحث والانتقاد، جامع المعقول والمنقول، وحاوي الفروع والأصول، زبدة الفقهاء والمجتهدين، وآية الله العظمى في الأرضين، محيى مدارس الشرع الباقي، ومرجع كل قريب ونائي (الحاج آقا حسين البروجردي الطباطبائي) لا زال اطناب ظلاله على رؤس الأنام باقية، وله في ظل لواء بقية الله (عجل الله تعالى فرجه) صحة وعافية. فهو (مد ظله) كان يحذف في أثناء تدريسه الزوايد والحواشي، ويهم بالمسائل المهمة التي كثر الابتلاء بها، وكان يسلك في تنقيحها والوصول إلى الحق فيها، الصراط الأقوم، والمنهج الأتم، لا شرقية ولا غربية. وكنت أنا أيضا ممن يستضيئ بنور علمه، ويستفيد من بياناته الشافية، وتحقيقاته الكافية، وكنت أضبط بقدر فهمي ومبلغ استعدادي ما استفيد من بياناته (مد ظله). فهذا الذي تراه هو ما استفدته من دروسه العالية، في المسائل الأصولية، جمعته ونظمته في سلك التحرير، وجعلته بصورة التقرير، وسميته (نهاية الأصول) أو بداية الوصول إلى الحق المأمول، ومن الله (تعالى) اسئل التوفيق، فإنه خير مسئول.
وأقول مخاطبا لمن راجع كتابي هذا: انه ربما كان لا يساعدني التوفيق لضبط بعض المطالب في بعض المباحث، وكان هذا هو السبب في تأخير نظم هذه الوجيزة ونشرها، ولكن قد التمس منى بعض من لا أحب مخالفته من الأصدقاء والاخوان بذل الجهد في نشر ما ضبط منها فسنح لي وقتئذ ان الميسور يجب أن لا يترك بالمعسور، وما لا يدرك كله لا يترك كله، فبادرت إلى ترتيب ما ضبط، فتصورت بصورة تراها.
وأقول أيضا معتذرا: انه لم يكن من عادتي ضبط كل درس بعد استفادته، بل كنت اصبر لضبط كل مبحث إلى اوان فراغه.