مجازا ووجه التسمية ظاهر فان الحقيقة من حق بمعنى ثبت والمجاز بمعنى المعبر.
(وعلى ما ذكرنا) يبتنى أساس جميع المجازات فليس لنا فيها مورد يستعمل اللفظ في غير ما وضع له بل هو يستعمل دائما في نفس ما وضع له ولكنه يراد في الاستعمالات الحقيقية تقرر الموضوع له وثباته في ذهن السامع حتى يحكم عليه أو به، وفي الاستعمالات المجازية صيرورته معبرا يعبره الذهن إلى ما ادعى اتحاده مع الموضوع له ويكون هو المقصود الأصلي بالحكم عليه أو به أو نحوهما فالفرق بين الحقيقة والمجاز بعد اشتراكهما في كون اللفظ مستعملا في نفس ما وضع له ان الموضوع له في الأول مراد استعمالا وجدا، وفي الثاني أريد بحسب الاستعمال فقط ثم جعل معبرا للذهن إلى المعنى الثاني الذي هو المراد جدا بسبب ادعاء الاتحاد بينهما، فالجملة المشتملة على استعمال مجازى تنحل إلى قضيتين يستفاد من إحديهما ادعاء اتحاد المعنى الثاني مع الموضوع له، ومن الأخرى ثبوت المحكوم به للمعنى الثاني، ومن هنا تحق اللطافة في المجاز زائدة على الحقيقة بحيث قد يبلغ في اللطافة حد الاعجاز فقولنا:
(جاء زيد) يشتمل على حكم واحد بخلاف قولنا: (جاء أسد) مع القرينة، فإنه يشتمل أولا على الحكم بكون زيد بالغا في الشجاعة حدا يصحح جعله من افراد الأسد واطلاق لفظ الأسد عليه، وثانيا بأنه ثبت له المجئ (وبالجملة) نحن ندعى في جميع المجازات ما ادعاه السكاكي في خصوص الاستعارة، ولطافة الاستعمال المجازى من هذه الجهة، والا فصرف ايجاد المعنى المقصود في ذهن السامع بلفظ آخر غير ما وضع له لا يوجب اللطافة ما لم يتوسط في البين ادعاء اتحاد المعنيين، فقوله (تعالى) في مقام بيان تحير بنى إسرائيل: ولما سقط في أيديهم قد أوجب مزية ولطافة حيث استعمل هذه الجملة فيما وضع له بعد ادعاء اتحاد هذا المعنى مع ما كانوا عليه من حالة التحير من جهة ان سقوط شئ في اليد دفعة من دون التفات، من أشد ما يوجب التحير فادعى اتحادهما، وقد مر تفصيل ذلك في محله (ثم لا يخفى ان ما ذكرناه) سار في جميع أقسام المجاز الا في استعمال العام وإرادة الخاص، واما هو فعلى نحوين: (الأول) ان يستعمل العام ويراد به جدا بعض افراده من جهة ادعاء كون هذا البعض هو الجميع نظير ان يقال: جاءني جميع العلماء ويراد به فرد