الفاعل المختار على أن كل من ادعى النبوة كاذبا أفسد الله امره وحط بين الناس قدره ولم يكن لدعواه دوام ولم يخف حاله على العلماء والعوام وشريعة نبينا صلى الله عليه وآله لم تزل تزداد نورا وتنجلي بين الورى بدوا وظهورا ثم العجب كل العجب من قوم يعترفون بنبوة موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء السابقين وينكرون سيد الأولين والآخرين فإنهم ان ادعوا عدم حجية المعجزات لزمهم انكار جميع النبوات فينتفى الوسائط في اثبات الشرايع بيننا وبين رب السماوات وان ادعوا نفى المعجزات عن نبينا فما بالهم لا ينفون المعجزات بالنسبة إلى أنبيائهم مع تقدم عهدهم وزيادة بعدهم فان انكار التواتر بالنسبة إلى من بعد عهده وطالت سلسلة أقرب من انكاره بالنسبة إلى القريب وتجويز السحر على المعاجز جار في المقامين على أن السحر في أيام موسى كان أكثر شيوعا وأشهر وقوعا والعرب ليسوا من أهل الكفر ولا لهم قابلية بالنسبة إلى السحر وان زعموا ثبوت نبوة الأنبياء السابقين بوجود الكتب المنزلة من رب العالمين فالقران أولي بالاعتبار في الدلالة على نبوة النبي المختار فإنه أعظم من كل معجزة وبرهان وقد اعترف بالعجز عن مباراته أعاظم الأحبار والرهبان واما باقي الكتب المنزلة فأعظمها وأكبرها منزلة التوراة والإنجيل ولا يمكن ان يجعلا في مقام البرهان لأنهما مغيران محرفان وفيهما ما لا يليق اسناده إلى الملك الديان إما التوراة فلوجوه كثيرة أحدها ما يقتضى نفى الاعتماد على التورية لوجوه أحدها قصة هارون وقد ذكرت في ثلثة مواضع أحدها ان هارون أمر بصنع العجل وامر بني إسرائيل بالحج له في پاش (يارايش) كي يتار ثانيها اقرار هارون بصنعه ثالثها ان الله غضب على هارون من جهة صنع العجل وأراد ان يهلكه وهم لا يشكون في نبوة هارون وإذا جوزوا على الأنبياء أمر الناس بعبادة من ليس أهلا للعبادة لبعض المصالح كخوف تفرق بني إسرائيل جاز ان الأنبياء كاذبون في كل ما يدعون لبعض المصالح فأي مانع من أن تكون التورية ليس بمعجز لأنه انما اشتمل على قصص وتواريخ من قوله بوشيت بارالوهيم وهو أول التوراة إلى اخره وهو ويمت موسى ان يكون مكذوبا وكذا الإنجيل لا اعجاز فيه فيجوز ان موسى وعيسى صنعاهما وأسنداهما إلى الله لبعض المصالح إذ لا فرق بين المصالح المستمرة والمنقطعة بل المستمرة أولي فيلزم من صحة توراتهم عدم امكان اثبات نبوة موسى وعيسى ثانيها اسناد الأنبياء إلى فعل القبايح منها ان لوطا وطأ بنتيه لما خرج من صوعر خوفا من الخسف وقعد في مغارة جبل مع بنيه فزعم البنتان ان الخسف عم الخلق فلم يبق انسان فرات الكبيرة ان تسقى أباها خمرا ليجامعها فبات معها وجامعها ثم أشارت الكبيرة بذلك على الصغيرة ففعلت كأختها ثم حملتا ووضعتا ولدين أحدهما مواب والثاني بنعمى وكان زوجاهما باقيين في صوعر واخذهما الخسف مع أهلها وعمر أبيهما حينئذ مائة سنة ومنها ان يعقوب جمع بين الأختين لثاوراحيل بنتي خاله لا بان بعدما هرب من أخيه عليا رولها في التوراة قصة طويلة ومنها ان شخيم ابن حامورزنى بدنيا بنت يعقوب ومنها ان يهودا جامع زوجة ابنه لما مات وخرجت وجلست له في الطريق مزية فجامعها وولدت ولها في التوراة قصة لطيفة ومنها ان روبين بن يعقوب جامع سرية أبيه بلها ومنها ان هارون ومريم قالا في حق موسى ان الله كلمه كما كلمنا ونسبوا إليه عملا مع امرأة حبشية فصارت مريم برصا فدعى لها موسى فعوفيت ونحو ذلك كثيرا ثالثها ما ينافي في تنزيه الله تعالى وهي عديده منها إن الله ترائا جالسا على باب الخيمة ومنها إن الله ندم على خلق بنى ادم بعد ما رأى من المعاصي ومنها ان ادم وحوا سمعا صوت الرب ماشيا في الفردوس عند مهب الهواء بعد الظهر فاستترا من وجه الرب في وسط الشجر فقال لادم أين أنت فقال سمعت صوتك واختفيت لأني عريان ومنها ان الرب نزل ليرى البناء الذي بناه بنو ادم ومنها ان الله ترى (ترائى) لموسى في العليقة ورئى ان الله جاء لينظر فغطى وجهه لخوفه ان ينظر إلى نحو الله ومنها سجود يعقوب لأخيه عليار سبع دفعات وقال له انى رأيت وجهك كوجه الله فارض عنى ومنها أنه قال الرب لموسى انى جعلتك الها لفرعون وجعلت هارون نبيا لك ومنها انه لا يعير أحد منكم فان الرب جاء ليضرب المضربين إلى غير ذلك مما لا يحصى مضافا إلى أن التوراة قد اختلف فيها اليهود فمنهم من أنكر السفر الخامس سفر هدباريم وان التوراة على ما ذكره اليهود قد ذهب من أيديهم لما أجلاهم بخت نصر إلى الشرق وبقوا في أطراف بابل سبعين سنة وكتبوه جديدا اخذا من نقل من حفظه ثم إنهم معترفون بان المعظم من احكامهم التي كتبوها في مشنى لم يكن مرسومة في الكتب المنزلة ولا في كتب الأنبياء وانما كانت مودعة من موسى في قلب يوشع ثم أودعها في قلوب العلماء وبهذا المضمون أية في التورية ومن الغريب ان الصلاة التي تسمى عندهم تفلوت لا مأخذ لها من التورية وادعوا ان مأخذها من هذه الآية وهي شمع يسرائيل ادوناى الوهنوادوناى آحاد ومعناها اسمع يا إسرائيل ربى معبودي واحد لان الصلاة عندهم ثلثة تفلات شحريت وتفلات منحه وتفلات عربيت فالشين الأولى والميم الثانية والعين الثالث واستفادة هذا الامر العظيم من اللغز عجيب واعجب منه خلو التوراة من ذكر الجنة والنار وكذا المعاد الا بالإشارة وجميع التهديدات فيه بالطاعون والقتل و النهب ونحوها من مضار الدنيا فلا يبقى عليه اعتماد من وجوه عديدة واما الإنجيل فلا اعجاز فيه وكلامه منثور نثرا جار على مذاق الاشراقين (الاشراقيين) والمتصوفين قليل الاحكام والكلام وهو عبارة عن أربعة أناجيل إنجيل متى وإنجيل لوقا وإنجيل مرقص وإنجيل يوحنا
(٣٨٩)