بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا) * (غافر: 7) وقال تعالى: * (ويستغفرون لمن في الأرض) * (الشورى: 5) والاستغفار شفاعة.
وأما قوله * (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) * (البقرة: 255) فليس المراد نفي الشفاعة وقبولها كما في هذه الآية حيث رد عليهم قولهم وإنما المراد عظمة الله تعالى، وأنه لا ينطق في حضرته أحد ولا يتكلم كما في قوله تعالى: * (لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن) *.
المسألة الخامسة: اللام في قوله * (لمن يشاء ويرضى) * تحتمل وجهين أحدهما: أن تتعلق بالإذن وهو على طريقين أحدهما: أن يقال إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء من الملائكة في الشفاعة لمن يشاء الشفاعة ويرضى الثاني: أن يكون الإذن في المشفوع له لأن الإذن حاصل للكل في الشفاعة للمؤمنين لأنهم جميعهم يستغفرون لهم فلا معنى للتخصيص، ويمكن أن ينازع فيه وثانيهما: أن تتعلق بالإغناء يعني إلا من بعد أن يأذن الله لهم في الشفاعة فتغني شفاعتهم لمن يشاء ويمكن أن يقال بأن هذا بعيد، لأن ذلك يقتضي أن تشفع الملائكة، والإغناء لا يحصل إلا لمن يشاء، فيجاب عنه بأن التنبيه على معنى عظمة الله تعالى فإن الملك إذا شفع فالله تعالى على مشيئته بعد شفاعتهم يغفر لمن يشاء.
المسألة السادسة: ما الفائدة في قوله تعالى: * (ويرضى) *؟ نقول فيه فائدة الإرشاد، وذلك لأنه لما قال: * (لمن يشاء) * كان المكلف مترددا لا يعلم مشيئته فقال: * (ويرضى) * ليعلم أنه العابد الشاكر لا المعاند الكافر، فإنه تعالى قال: * (إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم) * (الزمر: 7) فكأنه قال: * (لمن يشاء) * ثم قال: * (ويرضى) * بيانا لمن يشاء، وجواب آخر على قولنا: لا تغني شفاعتهم شيئا ممن يشاء، هو أن فاعل يرضى المدلول عليه لمن يشاء كأنه قال ويرضى هو أي تغنيه الشفاعة شيئا صالحا فيحصل به رضاه كما قال: ويرضى هو أي تغنيه الشفاعة وحينئذ يكون يرضى للبيان لأنه لما قال: * (لا تغني شفاعتهم) * إشارة إلى نفي كل قليل وكثير كان اللازم عنده بالاستثناء أن شفاعتهم تغني شيئا ولو كان قليلا ويرضى المشفوع له ليعلم أنها تغني أكثر من اللازم بالاستثناء، ويمكن أن يقال * (ويرضى) * لتبيين أن قوله * (يشاء) * ليس المراد المشيئة التي هي الرضا، فإن الله تعالى إذا شاء الضلالة بعبد لم يرض به، وإذا شاء الهداية رضي فقال: * (لمن يشاء ويرضى) * ليعلم أن المشيئة ليست هي المشيئة العامة، إنما هي الخاصة.
ثم قال تعالى:
* (إن الذين لا يؤمنون بالاخرة ليسمون الملائكة تسمية الانثى) *.
وقد بينا ذلك في سورة الطور واستدللنا بهذه الآية ونذكر ما يقرب منه ههنا فنقول * (الذين لا يؤمنون بالآخرة) * هم الذين لا يؤمنون بالرسل ولا يتبعون الشرع، وإنما يتبعون ما يدعون أنه عقل