أوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت على وعلى والدى وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لى فى ذريتى إنى تبت إليك وإنى من المسلمين * أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم فى أصحاب الجنة وعد الصدق الذى كانوا يوعدون) *.
اعلم أنه تعالى لما قرر دلائل التوحيد والنبوة وذكر شبهات المنكرين وأجاب عنها، ذكر بعد ذلك طريقة المحقين والمحققين فقال: * (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) * وقد ذكرنا تفسير هذه الكلمة في سورة السجدة والفرق بين الموضعين أن في سورة السجدة ذكر أن الملائكة ينزلون ويقولون * (أن لا تخافوا ولا تحزنوا) * (فصلت: 30) وهاهنا رفع الواسطة من البين وذكر أنه * (لا خوف عليهم ولا هم يحزبون) * فإذا جمعنا بين الآيتين حصل من مجموعهما أن الملائكة يبلغون إليهم هذه البشارة، وأن الحق سبحانه يسمعهم هذه البشارة أيضا من غير واسطة.
واعلم أن هذه الآيات دالة على أن من آمن بالله وعمل صالحا فإنهم بعد الحشر لا ينالهم خوف ولا حزن، ولهذا قال أهل التحقيق إنهم يوم القيامة آمنون من الأهوال، وقال بعضهم خوف العقاب زائل عنهم، أما خوف الجلال والهيبة فلا يزول البتة عن العبد، ألا ترى أن الملائكة مع علو درجاتهم وكمال عصمتهم لا يزول الخوف عنهم فقال تعالى: * (يخافون ربهم من فوقهم) * (النحل: 50) وهذه المسألة سبقت بالاستقصاء في آيات كثيرة منها قوله تعالى: * (لا يحزنهم الفزع الأكبر) * (الأنبياء: 103).
ثم قال تعالى: * (أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون) * قالت المعتزلة: هذه الآية تدل على مسائل أولها: قوله تعالى: * (أولئك أصحاب الجنة) * وهذا يفيد الحصر، وهذا يدل على أن أصحاب الجنة ليسوا إلا الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، وهذا يدل على أن صاحب الكبيرة قبل التوبة لا يدخل الجنة وثانيها: قوله تعالى: * (جزاء بما كانوا يعملون) * وهذا يدل على فساد قول من يقول: الثواب فضل لا جزاء وثالثها: أن قوله تعالى: * (بما كانوا يعملون) * يدل على إثبات العمل للعبد ورابعها: أن هذا يدل على أنه يجوز أن يحصل الأثر في حال المؤثر، أو أي أثر كان موجودا قبل ذلك بدليل أن العمل المتقدم أوجب الثواب المتأخر وخامسها: كون العبد