لما قال: * (فضرب الرقاب) * أي اقتلوا والقتل لا يتأتى إلا بالإقدام وخوف أن يقتل المقدم يمنعه من الإقدام، فقال لا تخافوا القتل فإن من يقتل في سبيل الله له من الأجر والثواب ما لا يمنع المقاتل من القتال بل يحثه عليه وثانيها: هو أنه تعالى لما قال: * (ليبلو بعضكم ببعض) * والمبتلى بالشيء له على كل وجه من وجوه الأثر الظاهر بالابتلاء حال من الأحوال، فإن السيف الممتحن تزيد قيمته على تقدير أن يقطع وتنقص على تقدير أن لا يقطع فحال المبتلين ماذا فقال إن قتل فله أن لا يضل عمله ويهدى ويكرم ويدخل الجنة، وأما إن قتل فلا يخفى عاجلا وآجلا، وترك بيانه على تقدير كونه قاتلا لظهوره وبين حاله على تقدير كونه مقتولا وثالثها: هو أنه تعالى لما قال: * (ليبلوكم) * ولا يبتلي الشيء النفيس بما يخاف منه هلاكه، فإن السيف المهند العضب الكبير القيمة لا يجرب بالشيء الصلب الذي يخاف عليه منه الانكسار، ولكن الآدمي مكرم كرمه الله وشرفه وعظمه، فلماذا ابتلاه بالقتال وهو يفضي إلى القتل والهلاك إفضاء غير نادر، فكيف يحسن هذا الابتلاء؟ فنقول القتل ليس بإهلاك بالنسبة إلى المؤمن فإنه يورث الحياة الأبدية فإذا ابتلاه بالقتال فهو على تقدير أن يقتل مكرم وعلى تقدير أن لا يقتل هذا إن قاتل وإن لم يقاتل، فالموت لا بد منه وقد فوت على نفسه الأجر الكبير.
وأما قوله تعالى: * (فلن يضل أعمالهم) * قد علم معنى الإضلال، بقي الفرق بين العبارتين في حق الكافر والضال قال * (أضل) * (محمد: 1) وقال في حق المؤمن الداعي * (لن يضل) *، لأن المقاتل داع إلى الإيمان لأن قوله * (حتى تضع الحرب أوزارها) * قد ذكر أن معناه حتى لم يبق إثم بسبب حرب، وذلك حيث يسلم الكافر فالمقاتل يقول إما أن تسلم وإما أن تقتل، فهو داع والكافر صاد وبينهما تباين وتضاد فقال في حق الكافر أضل بصيغة الماضي، ولم يقل يضل إشارة إلى أن عمله حيث وجد عدم، وكأنه لم يوجد من أصله، وقال في حق المؤمن فلن يضل، ولم يقل ما أضل إشارة إلى أن عمله كلما ثبت عليه أثبت له، فلن يضل للتأبيد وبينهما غاية الخلاف، كما أن بين الداعي والصاد غاية التباين والتضاد، فإن قيل ما معنى الفاء في قوله * (فلن يضل) *؟ جوابه لأن في قوله تعالى: * (والذين قتلوا) * معنى الشرط.
ثم قال تعالى * (سيهديهم ويصلح بالهم) *.
إن قرىء * (قتلوا) * أو * (قاتلوا) * فالهداية محمولة على الآجلة والعاجلة، وإن قرىء * (قتلوا) * فهو الآخرة * (سيهديهم) * طريق الجنة من غير وقفة من قبورهم إلى موضع حبورهم.
وقوله: * (ويصلح بالهم) *. قد تقدم تفسيره في قوله تعالى: * (أصلح بالهم) * (محمد: 2) والماضي والمستقبل راجع إلى أن هناك وعدهم ما وعدهم بسبب الإيمان والعمل الصالح، وذلك كان واقعا منهم فأخبر عن الجزاء بصيغة تدل على