بل مع أنكم قائمون بذلك محترمون له اتقوا الله واخشوه وإلا لم تكونوا أتيتم بواجب الاحترام وقوله تعالى: * (إن الله سميع عليم) * يؤكد ما تقدم لأنهم قالوا آمنا، لأن الخطاب يفهم بقوله * (يا أيها الذين آمنوا) * فقد يسمع قولهم ويعلم فعلهم وما في قلوبهم من التقوى والخيانة، فلا ينبغي أن يختلف قولكم وفعلكم وضمير قلبكم، بل ينبغي أن يتم مما في سمعه من قولكم آمنا وسمعنا وأطعنا وما في علمه من فعلكم الظاهر، وهو عدم التقدم وما في قلوبكم من الضمائر وهو التقوى. (2) ثم قال تعالى * (ياأيها الذين ءامنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون) *.
* (لا تقدموا) * (الحجرات: 1) نهي عن فعل ينبئ عن كونهم جاعلين لأنفسهم عند الله ورسوله بالنسبة إليهما وزنا ومقدارا ومدخلا في أمر من أوامرهما ونواهيهما، وقوله * (لا ترفعوا) * نهي عن قول ينبئ عن ذلك الأمر، لأن من يرفع صوته عند غيره يجعل لنفسه اعتبارا وعظمة وفيه مباحث: البحث الأول: ما الفائدة في إعادة النداء، وما هذا النمط من الكلامين على قول القائل * (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله) * (الحجرات: 1)، و * (لا ترفعوا أصواتكم) *؟ نقول في إعادة النداء فوائد خمسة: منها أن يكون في ذلك بيان زيادة الشفقة على المسترشد كما في قول لقمان لابنه * (يا بني لا تشرك بالله) * (لقمان: 13) * (يا بني إنها إن تك مثقال حبة) * (لقمان: 16)، * (يا بني أقم الصلاة) * (لقمان: 17) لأن النداء لتنبيه المنادى ليقبل على استماع الكلام ويجعل باله منه، فإعادته تفيد ذلك، ومنها أن لا يتوهم متوهم أن المخاطب ثانيا غير المخاطب أولا: فإن من الجائز أن يقول القائل يا زيد افعل كذا وقل كذا يا عمرو، فإذا أعاده مرة أخرى، وقال يا زيد قل كذا، يعلم من أول الكلام أنه هو المخاطب ثانيا أيضا ومنها أن يعلم أن كل واحد من الكلامين مقصود، وليس الثاني تأكيدا للأول كما تقول يا زيد لا تنطق ولا تتكلم إلا بالحق فإنه لا يحسن أن يقال يا زيد لا تنطق يا زيد لا تتكلم كما يحسن عند اختلاف المطلوبين، وقوله تعالى: * (لا ترفعوا أصواتكم) * يحتمل وجوها: أحدها: أن يكون المراد حقيقته، وذلك لأن رفع الصوت دليل قلة الاحتشام وترك الاحترام، وهذا من مسألة حكمية وهي أن الصوت بالمخارج ومن خشي قلبه ارتجف وتضعف حركته الدافعة فلا يخرج منه الصوت بقوة، ومن لم يخف ثبت قلبه وقوي، فرفع الهواء دليل عدم الخشية ثانيها: أن يكون المراد المنع من كثر الكلام لأن من يكثر الكلام يكون متكلما عن سكوت الغير فيكون في وقت سكوت الغير لصوته ارتفاع وإن كان خائفا إذا نظرت إلى حال غيره فلا ينبغي أن يكون لأحد عند النبي صلى الله عليه وسلم كلام كثير بالنسبة إلى كلام النبي صلى الله عليه وسلم