أو يقرب منهم، والجن يقربون منه ويقصدونه إن كان هو لا يقصدهم، فالساحر والمجنون كلاهما أمره مع الجن، غير أن الساحر يأتيهم باختياره، والمجنون يأتونه من غير اختياره، فكأنه أراد صيانة كلامه عن الكذب فقال هو يسحر الجن أو يسحر، فإن كان ليس عنده منه خبر، ولا يقصد ذلك فالجن يأتونه، ثم قال تعالى:
* (فأخذناه وجنوده فنبذناهم فى اليم وهو مليم) *.
وهو إشارة إلى بعض ما أتى به، كأنه يقول: واتخذ الأولياء فلم ينفعوه، وأخذه الله وأخذ أركانه وألقاهم جميعا في اليم وهو البحر، والحكاية مشهورة، وقوله تعالى:) * وهو مليم) * نقول فيه شرف موسى عليه السلام وبشارة للمؤمنين، أما شرفه فلأنه قال بأنه أتى بما يلام عليه بمجرد قوله: إني أريد هلاك أعدائك يا إله العالمين، فلم يكن له سبب إلا هذا، أما فرعون فقال: * (أنا ربكم الأعلى) * (النازعات: 24) فكان سببه تلك، وهذا كما قال القائل: فلان عيبه أنه سارق، أو قاتل، أو يعاشر الناس يؤذيهم، وفلان عيبه أنه مشغول بنفسه لا يعاشر، فتكون نسبة العيبين بعضهما إلى بعض سببا لمدح أحدهما وذم الآخر. وأما بشارة المؤمنين فهو بسبب أن من التقمه الحوت وهو مليم نجاه الله تعالى بتسبيحه، ومن أهلكه الله بتعذيبه لم ينفعه إيمانه حين قال: * (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل) * (يونس: 90).
ثم قال تعالى:
* (وفى عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم) *.
وفيه ما ذكرنا من الوجوه التي ذكرناها في عطف موسى عليه السلام، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: ذكر أن المقصود ههنا تسلية قلب النبي صلى الله عليه وسلم وتذكيره بحال الأنبياء، ولم يذكر في عاد وثمود أنبياءهم، كما ذكر إبراهيم وموسى عليهما السلام، نقول في ذكر الآيات ست حكايات: حكاية إبراهيم عليه السلام وبشارته، وحكاية قوم لوط ونجاة من كان فيها من المؤمنين، وحكاية موسى عليه السلام، وفي هذه الحكايات الثلاث ذكر الرسل والمؤمنين، لأن الناجين فيهم كانوا كثيرين، أما في حق إبراهيم وموسى عليهما السلام فظاهر، وأما في قوم لوط فلأن الناجين، وإن كانوا أهل بيت واحد، ولكن المهلكين كانوا أيضا أهل بقعة واحدة.
وأما عاد وثمود وقوم نوح فكان عدد المهلكين بالنسبة إلى الناجين أضعاف ما كان عدد المهلكين بالنسبة إلى الناجين من قوم لوط عليه السلام.
فذكر الحكايات الثلاث الأول للتسلية بالنجاة، وذكر الثلاث المتأخرة للتسلية بإهلاك العدو، والكل مذكور للتسلية بدليل