سورة محمد صلى الله عليه وسلم (ثلاثون وتسع آيات مكية بسم الله الرحمن الرحيم * (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم) *.
أول هذه السورة مناسب لآخر السورة المتقدمة، فإن آخرها قوله تعالى: * (فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) * (الأحقاف: 35) فإن قال قائل كيف يهلك الفاسق وله أعمال صالحة كإطعام الطعام وصلة الأرحام وغير ذلك؟ مما لا يخلو عنه الإنسان في طول عمره فيكون في إهلاكه إهدار عمله وقد قال تعالى: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) * (الزلزلة: 7) وقال تعالى: * (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم) * أي لم يبق لهم عمل ولم يوجد فلم يمتنع الإهلاك، وسنبين كيف إبطال الأعمال مع تحقيق القول فيه، وتعالى الله عن الظلم، وفي التفسير مسائل:
المسألة الأولى: من المراد بقوله * (الذين كفروا) *؟ قلنا فيه وجوه الأول: هم الذين كانوا يطعمون الجيش يوم بدر منهم أبو جهل والحرث ابنا هشام وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وغيرهم الثاني: كفار قريش الثالث: أهل الكتاب الرابع: هو عام يدخل فيه كل كافر.
المسألة الثانية: في الصد وجهان أحدهما: صدوا أنفسهم معناه أنهم صدوا أنفسهم عن السبيل ومنعوا عقولهم من اتباع الدليل وثانيهما: صدوا غيرهم ومنعوهم كما قال تعالى عن المستضعفين * (يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين) * (سبأ: 31) وعلى هذا بحث: وهو أن إضلال الأعمال مرتب على الكفر والصد، والمستضعفون لم يصدوا فلا يضل أعمالهم، فنقول التخصيص بالذكر لا يدل على نفي ما عداه، ولا سيما إذا كان المذكور أولى بالذكر من غيره