كان متعديا، والرجوع مصدره إذا كان لازما، وكذلك الرجعي مصدر عند لزومه، والرجع أيضا يصح مصدرا للازم، فيحتمل أن يكون المراد بقوله * (ذلك رجع بعيد) * أي رجوع بعيد، ويحتمل أن يكون المراد الرجع المتعدي، ويدل على الأول قوله تعالى: * (إن إلى ربك الرجعي) * (العلق: 8) وعلى الثاني قوله تعالى: * (أئنا لمردودون) * (النازعات: 10) أي مرجعون فإنه من الرجع المتعدي، فإن قلنا هو من المتعدي، فقد أنكروا كونه مقدورا في نفسه.
ثم إن الله تعالى * (قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ) *.
إشارة إلى دليل جواز البعث وقدرته تعالى عليه، وذلك لأن الله تعالى بجميع أجزاء كل واحد من الموتى لا يشتبه عليه جزء أحد على الآخر، وقادر على الجمع والتأليف، فليس الرجوع منه ببعد، وهذا كقوله تعالى: * (وهو الخلاق العليم) * (يس: 11) حيث جعل للعلم مدخلا في الإعادة، وقوله * (قد علمنا ما تنقص الأرض) * يعني لا تخفى علينا أجزاؤهم بسبب تشتتها في تخوم الأرضين، وهذا جواب لما كانوا يقولون * (أئذا ضللنا في الأرض) * (السجدة: 10) يعني أن ذلك إشارة إلى أنه تعالى كما يعلم أجزاؤهم يعلم أعمالهم من ظلمهم، وتعديهم بما كانوا يقولون وبما كانوا يعملون، ويحتمل أن يقال معنى قوله تعالى: * (وعندنا كتاب حفيظ) * هو أنه عالم بتفاصيل الأشياء، وذلك لأن العلم إجمالي وتفصيلي، فالإجمالي كما يكون عند الإنسان الذي يحفظ كتابا ويفهمه، ويعلم أنه إذا سئل عن أية مسألة تكون في الكتاب يحضر عنده الجواب، ولكن ذلك لا يكون نصب عينيه حرفا بحرف، ولا يخطر بباله في حالة بابا بابا، أو فصلا فصلا، ولكن عند العرض على الذهن لا يحتاج إلى تجديد فكر وتحديد نظر، والتفصيلي مثل الذي يعبر عن الأشياء، والكتاب الذي كتب فيه تلك المسائل، وهذا لا يوجد عند الإنسان إلا في مسألة أو مسألتين. أما بالنسبة إلى كتاب فلا يقال: * (وعندنا كتاب حفيظ) * يعني العلم عندي كما يكون في الكتاب أعلم جزءا جزءا وشيئا شيئا، والحفيظ يحتمل أن يكون بمعنى المحفوظ، أي محفوظ من التغيير والتبديل، ويحتمل أن يكون بمعنى الحافظ، أي حافظ أجزاءهم وأعمالهم بحيث لا ينسى شيئا منها، والثاني هو الأصح لوجهين أحدهما: أن الحفيظ بمعنى الحافظ وارد في القرآن، قال تعالى: * (وما أنا عليكم بحفيظ) * (الأنعام: 104) وقال تعالى: * (والله حفيظ عليهم) * ولأن الكتاب على ما ذكرنا للتمثيل فهو يحفظ الأشياء، وهو مستغن عن أن يحفظ.
* (بل كذبوا بالحق لما جآءهم فهم فى أمر مريج) *.
وقوله تعالى: * (بل كذبوا بالحق) *. رد عليهم، فإن قيل ما المضروب عنه، نقول فيه وجهان أحدهما: تقديره لم يكذب المنذر، بل كذبوا هم، وتقديره هو أنه تعالى لما قال عنهم إنهم قالوا * (هذا شيء عجيب) * (ق: 2) كان في معنى قولهم: