فيه مناسبة للوجه الثالث يعني فينظروا إلى حالهم ويعلموا أن الدنيا فانية. وقوله * (دمر الله عليهم) * أي أهلك عليهم متاع الدنيا من الأموال والأولاد والأزواج والأجساد.
وقوله تعالى: * (وللكافرين أمثالها) * يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون المراد لهم أمثالها في الدنيا، وحينئذ يكون المراد من الكافرين هم الكافرون بمحمد عليه الصلاة والسلام وثانيهما: أن يكون المراد لهم أمثالها في الآخرة، فيكون المراد من تقدم كأنه يقول: دمر الله عليهم في الدنيا ولهم في الآخرة أمثالها، وفي العائد إليه ضمير المؤنث في قوله * (أمثالها) * وجهان أحدهما: هو المذكور وهو العاقبة وثانيهما: هو المفهوم وهو العقوبة، لأن التدمير كان عقوبة لهم، فإن قيل على قولنا المراد للكافرين بمحمد عليه السلام أمثال ما كان لمن تقدمهم من العاقبة يرد سؤال، وهو أن الأولين أهلكوا بوقائع شديدة كالزلازل والنيران وغيرهما من الرياح والطوفان، ولا كذلك قوم محمد صلى الله عليه وسلم، نقول جاز أن يكون عذابهم أشد من عذاب الأولين لكون دين محمد أظهر بسبب تقدم الأنبياء عليهم السلام عليه وإخبارهم عنه وإنذارهم به على أنهم قتلوا وأسروا بأيديهم من كانوا يستخفونهم ويستضعفونهم والقتل بيد المثل آلم من الهلاك بسبب عام وسؤال آخر: إذا كان الضمير عائدا إلى العاقبة فكيف يكون لها أمثال؟ قلنا يجوز أن يقال المراد العذاب الذي هو مدلول العاقبة أو الألم الذي كانت العاقبة عليه ثم قال تعالى:
* (ذلك بأن الله مولى الذين ءامنوا وأن الكافرين لا مولى لهم) *.
* (ذلك) * يحتمل أن يكون إشارة إلى النصر وهو اختيار جماعة ذكره الواحدي، ويحتمل وجها آخر أغرب من حيث النقل، وأقرب من حديث العقل، وهو أنا لما بينا أن قوله تعالى: * (وللكافرين أمثالها) * (محمد: 10) إشارة إلى أن قوم محمد عليه الصلاة والسلام أهلكوا بأيدي أمثالهم الذين كانوا لا يرضون بمجالستهم وهو آلم من الهلاك بالسبب العام، قال تعالى: * (ذلك) * أي الإهلاك والهوان بسبب أن الله تعالى ناصر المؤمنين، والكافرون اتخذوا آلهة لا تنفع ولا تضر، وتركوا الله فلا ناصر لهم ولا شك أن من ينصره الله تعالى يقدر على القتل والأسر وإن كان له ألف ناصر فضلا عن أن يكون لا ناصر لهم، فإن قيل كيف الجمع بين قوله تعالى * (لا مولى لهم) * وبين قوله * (مولاهم الحق) * (الأنعام: 62) نقول المولى ورد بمعنى السيد والرب والناصر فحيث قال: * (لا مولى لهم) * أراد لا ناصر لهم، وحيث قال: * (مولاهم الحق) * أي ربهم ومالكهم، كما قال: * (يا أيها الناس اتقوا ربكم) * (النساء: 1) وقال: * (ربكم ورب آبائكم الأولين) * (الشعراء: 26)