الصراط المستقيم، لأنه سهل على المؤمنين الجهاد لعلمهم بالفوائد العاجلة بالفتح والآجلة بالوعد، والجهاد سلوك سبيل الله، ولهذا يقال للغازي في سبيل الله مجاهد وثالثها: ما ذكرنا أن المراد التعريف، أي ليعرف أنك على صراط مستقيم، من حيث إن الفتح لا يكون إلا على يد من يكون على صراط الله بدليل حكاية الفيل، وقوله * (وينصرك الله نصرا عزيزا) * ظاهر، لأن بالفتح ظهر النصر واشتهر الأمر، وفيه مسألتان إحداهما لفظية والأخرى معنوية: أما المسألة اللفظية: فهي أن الله وصف النصر بكونه عزيزا، والعزيز من له النصر والجواب: من وجهين أحدهما: ما قاله الزمخشري أنه يحتمل وجوها ثلاثة الأول: معناه نصر إذ عز، كقوله * (في عيشة راضية) * (الحاقة: 21) أي ذات رضى الثاني: وصف النصر بما يوصف به المنصور إسنادا مجازيا يقال له كلام صادق، كما يقال له متكلم صادق الثالث: المراد نصرا عزيزا صاحبه الوجه الثاني من الجواب أن نقول: إنما يلزمنا ما ذكره الزمخشري من التقديرات إذا قلنا: العزة من الغلبة، والعزيز الغالب وأما إذا قلنا: العزيز هو النفيس القليل النظير، أو المحتاج إليه القليل الوجود، يقال عز الشيء إذا قل وجوده مع أنه محتاج إليه، فالنصر كان محتاجا إليه ومثله لم يوجد وهو أخذ بيت الله من الكفار المتمكنين فيه من غير عدد.
أما المسألة المعنوية: وهي أن الله تعالى لما قال: * (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك) * أبرز الفاعل وهو الله، ثم عطف عليه بقوله * (ويتم) * وبقوله * (ويهديك) * ولم يذكر لفظ الله على الوجه الحسن في الكلام، وهو أن الأفعال الكثيرة إذا صدرت من فاعل يظهر اسمه في الفعل الأول، ولا يظهر فيما بعده تقول: جاء زيد وتكلم، وقام وراح، ولا تقول: جاء زيد، وقعد زيد اختصارا للكلام بالاقتصار على الأول، وههنا لم يقل وينصرك نصرا، بل أعاد لفظ الله، فنقول هذا إرشاد إلى طريق النصر، ولهذا قلما ذكر الله النصر من غير إضافة، فقال تعالى: * (بنصر الله ينصر) * (الروم: 5) ولم يقل بالنصر ينصر، وقال: * (هو الذي أيدك بنصره) * (الأنفال: 62) ولم يقل بالنصر، وقال: * (إذا جاء نصر الله والفتح) * (النصر: 1) وقال: * (نصر من الله وفتح قريب) * (الصف: 13) ولم يقل نصر وفتح، وقال: * (وما النصر إلا من عند الله) * (الأنفال: 10) وهذا أدل الآيات على مطلوبنا، وتحقيقه هو أن النصر بالصبر، والصبر بالله، قال تعالى: * (واصبر وما صبرك إلا بالله) * (النحل: 127) وذلك لأن الصبر سكون القلب واطمئنانه، وذلك بذكر الله، كما قال تعالى: * (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) * (الرعد: 28) فلما قال ههنا وينصرك الله، أظهر لفظ الله ذكرا للتعليم أن بذكر الله يحصل اطمئنان القلوب، وبه يحصل الصبر، وبه يتحقق النصر، وههنا مسألة أخرى وهو أن الله تعالى قال: * (إنا فتحنا) * ثم قال: * (ليغفر لك الله) * ولم يقل إنا فتحنا لنغفر لك تعظيما لأمر الفتح، وذلك لأن المغفرة وإن كانت عظيمة لكنها عامة لقوله تعالى: * (إن الله يغفر الذنوب جميعا) * (الزمر: 53) وقال: * (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * (النساء: 48) ولئن قلنا بأن المراد من المغفرة في حق النبي عليه السلام العصمة، فذلك لم يختص بنبينا، بل غيره من الرسل كان معصوما، وإتمام