إظهار لفظ العبيد حيث يقول: * (ما أنا بظلام للعبيد) * أي في ذلك اليوم الذي امتلأت جهنم مع سعتها حتى تصيح وتقول لم يبق لي طاقة بهم، ولم يبق في موضع لهم فهل من مزيد استفهام استكثار، فذلك اليوم مع أني ألقي فيها عددا لا حصر له لا أكون بسبب كثرة التعذيب كثير الظلم وهذا مناسب، وذلك لأنه تعالى خصص النفي بالزمان حيث قال: ما أنا بظلام يوم نقول: أي وما أنا بظلام في جميع الأزمان أيضا، وخصص بالعبيد حيث قال: * (وما أنا بظلام للعبيد) * ولم يطلق، فكذلك خصص النفي بنوع من أنواع الظلم ولم يطلق، فلم يلزم منه أن يكون ظالما في غير ذلك الوقت، وفي حق غير العبيد وإن خصص والفائدة في التخصيص أنه أقرب إلى التصديق من التعميم. والثالث: هذا يدل على أن التخصيص بالذكر لا يدل على نفي ما عداه، لأنه نفى كونه ظلاما ولم يلزم منه نفي كونه ظالما، ونفي كونه ظلاما للعبيد، ولم يلزم منه نفي كونه ظلاما لغيرهم، كما قال في حق الآدمي: * (فمنهم ظالم لنفسه) * (فاطر: 32).
البحث الثاني: قال ههنا: * (وما أنا بظلام للعبيد) * من غير إضافة، وقال: * (ما أنت بهادي العمي) * (النمل: 81)، * (وما أنت بمسمع من في القبور) * (فاطر: 22) على وجه الإضافة، فما الفرق بينهما؟ نقول الكلام قد يخرج أولا مخرج العموم، ثم يخصص لأمر ما لا لغرض التخصيص، يقول القائل: فلان يعطي ويمنع ويكون غرضه التعميم، فإن سأل سائل: يعطي من، ويمنع من؟ يقول: زيدا وعمرا، ويأتي بالمخصص لا لغرض التخصيص، وقد يخرج أولا مخرج الخصوص، فيقول فلان يعطي زيدا ماله إذا علمت هذا فقوله: * (وما أنا بظلام) * كلام لو اقتصر عليه لكان للعموم، فأتى بلفظ العبيد لا لكون عدم الظلم مختصا بهم، بل لكونهم أقرب إلى كونهم محل الظلم من نفسه تعالى، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فكان في نفسه هاديا، وإنما أراد نفي ذلك الخاص فقال: * (وما أنت بهادي العمي) * وما قال: ما أنت بهاد، وكذلك قوله تعالى: * (أليس الله بكاف عبده) * (الزمر: 36).
البحث الثالث: العبيد يحتمل أن يكون المراد منه الكفار، كما في قوله تعالى: * (يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول) * (يس: 30) يعني أعذبهم وما أنا بظلام لهم، ويحتمل أن يكون المراد منه المؤمنين ووجهه هو أن الله تعالى يقول: لو أبدلت القول ورحمت الكافر، لكنت في تكليف العباد ظالما لعبادي المؤمنين، لأني منعتهم من الشهوات لأجل هذا اليوم، فإن كان ينال من لم يأت بما أتى المؤمن ما يناله المؤمن، لكان إتيانه بما أتى به من الإيمان والعبادة غير مفيد فائدة، وهذا معنى قوله تعالى: * (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون) * (الحشر: 20)، ومعنى قوله تعالى: * (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) * (الزمر: 9)، وقوله تعالى: * (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر) * (النساء: 95) ويحتمل أن يكون المراد التعميم ثم قال تعالى:
* (يوم نقول لجهنم هل امتلات وتقول هل من مزيد) *.