يعبدها مخاطبة فلذلك جعله تعالى حدا، وإذا قامت القيامة وحشر الناس فهذه الأصنام تعادي هؤلاء العابدين، واختلفوا فيه فالأكثرون على أنه تعالى يحيي هذه الأصنام يوم القيامة وهي تظهر عداوة هؤلاء العابدين وتتبرأ منهم، وقال بعضهم بل المراد عبدة الملائكة وعيسى فإنهم في يوم القيامة يظهرون عداوة هؤلاء العابدين فإن قيل ما المراد بقوله تعالى: * (وهم عن دعائهم غافلون) * وكيف يعقل وصف الأصنام وهي جمادات بالغفلة؟ وأيضا كيف جاز وصف الأصنام بما لا يليق إلا بالعقلاء؟ وهي لفظة من وقوله * (هم غافلون) * قلنا إنهم لما عبدوها ونزلوها منزلة من يضر وينفع صح أن يقال فيها إنها بمنزلة الغافل الذي لا يسمع ولا يجيب. وهذا هو الجواب أيضا عن قوله إن لفظة من ولفظة * (هم) * كيف يليق بها، وأيضا يجوز أن يريد كل معبود من دون الله من الملائكة وعيسى وعزير والأصنام إلا أنه غلب غير الأوثان على الأوثان.
واعلم أنه تعالى لما تكلم في تقرير التوحيد ونفي الأضداد والأنداد تكلم في النبوة وبين أن محمدا صلى الله عليه وسلم كلما عرض عليهم نوعا من أنواع المعجزات زعموا أنه سحر فقال وإذا تتلى عليهم الآيات البينة وعرضت عليهم المعجزات الظاهرة سموها بالسحر، ولما بين أنهم يسمون المعجزة بالسحر بين أنهم متى سمعوا القرآن قالوا إن محمدا افتراه واختلقه من عند نفسه، ومعنى الهمزة في أم للإنكار والتعجب كأنه قيل دع هذا واسمع القول المنكر العجيب، ثم إنه تعالى بين بطلان شبهتهم فقال إن افتريته على سبيل الفرض، فإن الله تعالى يعاجلني بعقوبة بطلان ذلك الافتراء وأنتم لا تقدرون على دفعه عن معاجلتي بالعقوبة فكيف أقدم على هذه الفرية، وأعرض نفسي لعقابه؟ يقال فلان لا يملك نفسه إذا غضب ولا يملك عنانه إذا صمم، ومثله * (فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم) * (المائدة: 17)، * (ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا) * (المائدة: 41) ومن قوله صلى الله عليه وسلم: " لا أملك لكم من الله شيئا ".
ثم قال تعالى: * (هو أعلم بما تفيضون فيه) * أي تندفعون فيه من القدح في وحي الله تعالى والطعن في آياته وتسميته سحرا تارة وفرية أخرى * (كفى به شهيدا بيني وبينكم) * يشهد لي بالصدق ويشهد عليكم بالكذب والجحود، ومعنى ذكر العلم والشهادة وعيد لهم على إقامتهم في الطعن والشتم.
ثم قال: * (وهو الغفور الرحيم) * بمن رجع عن الكفر وتاب واستعان بحكم الله عليهم مع عظم ما ارتكبوه.
قوله تعالى * (قل ما كنت بدعا من الرسل ومآ أدرى ما يفعل بى ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى