قوله تعالى * (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما فى قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا * ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما) *.
اعلم أن طاعة كل واحد منهما طاعة الآخر فجمع بينهما بيانا لطاعة الله، فإن الله تعالى لو قال: ومن يطع الله، كان لبعض الناس أن يقول: نحن لا نرى الله ولا نسمع كلامه، فمن أين نعلم أمره حتى نطيعه؟ فقال طاعته في طاعة رسوله وكلامه يسمع من رسوله.
ثم قال: * (ومن يتول) * أي بقلبه، ثم لما بين حال المخلفين بعد قوله * (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) * (الفتح: 10) عاد إلى بيان حالهم وقال: * (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم) * من الصدق كما علم ما في قلوب المنافقين من المرض * (فأنزل السكينة عليهم) * حتى بايعوا على الموت، وفيه معنى لطيف وهو أن الله تعالى قال قبل هذه الآية * (ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات) * (الفتح: 17) فجعل طاعة الله والرسول علامة لإدخال الله الجنة في تلك الآية، وفي هذه الآية بين أن طاعة الله والرسول وجدت من أهل بيعة الرضوان، أما طاعة الله فالإشارة إليها بقوله * (لقد رضي الله عن المؤمنين) * وأما طاعة الرسول فبقوله * (إذ يبايعونك تحت الشجرة) * بقي الموعود به وهو إدخال الجنة أشار إليه بقوله تعالى: * (لقد رضي الله عن المؤمنين) * لأن الرضا يكون معه إدخال الجنة كما قال تعالى: * (ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم) * (المجادلة: 22).
ثم قال تعالى: * (فعلم ما في قلوبهم) * والفاء للتعقيب وعلم الله قبل الرضا لأنه علم ما في قلوبهم من الصدق فرضي عنهم فكيف يفهم التعقيب في العلم؟ نقول قوله * (فعلم ما في قلوبهم) * متعلق بقوله * (إذا يبايعونك تحت الشجرة) * كما يقول القائل فرحت أمس إذ كلمت زيدا فقام إلي، أو إذ دخلت عليه فأكرمني، فيكون الفرح بعد الإكرام ترتيبا كذلك، ههنا قال تعالى: * (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم) * من الصدق إشارة إلى أن الرضا لم يكن عند المبايعة فحسب، بل عند المبايعة التي كان معها علم الله بصدقهم، والفاء في قوله * (فأنزل السكينة عليهم) *