كذلك حال المؤمن، وأما الكافر فحاله كحال من يقدم إلى القتل فيصبر عليه أياما في مثل تلك الأجمة التي ذكرناها يكون في جنة، ونسبة الدنيا إلى الجنة والنار دون ما ذكرنا من المثال، لكنه ينبئ ذا البال، عن حقيقة الحال.
وقوله تعالى: * (كما تأكل الأنعام) * يحتمل وجوها أحدها: أن الأنعام يهمها الأكل لا غير والكافر كذلك والمؤمن يأكل ليعمل صالحا ويقوى عليه وثانيها: الأنعام لا تستدل بالمأكول على خالقها والكافر كذلك وثالثها: الأنعام تعلف لتسمن وهي غافلة عن الأمر، لا تعلم أنها كلما كانت أسمن كانت أقرب إلى الذبح والهلاك، وكذلك الكافر ويناسب ذلك قوله تعالى: * (والنار مثوى لهم) *.
المسألة الرابعة: قال في حق المؤمن * (إن الله يدخل) * بصيغة الوعد، وقال في حق الكافر * (والنار مثوى لهم) * بصيغة تنبئ عن الاستحقاق لما ذكرنا أن الإحسان لا يستدعي أن يكون عن استحقاق، فالمحسن إلى من لم يوجد منه ما يوجب الإحسان كريم، والمعذب من غير استحقاق ظالم.
ثم قال تعالى * (وكأين من قرية هى أشد قوة من قريتك التى أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم) *.
لما ضرب الله تعالى لهم مثلا بقوله * (أفلم يسيروا في الأرض) * (محمد: 10) ولم ينفعهم مع ما تقدم من الدلائل ضرب للنبي عليه السلام مثلا تسلية له فقال: * (وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم) * وكانوا أشد من أهل مكة كذلك نفعل بهم، فاصبر كما صبر رسلهم، وقوله * (فلا ناصر لهم) * قال الزمخشري كيف قوله * (فلا ناصر لهم) * مع أن الإهلاك ماض، وقوله * (فلا ناصر لهم) * للحال والاستقبال؟ والجواب أنه محمول على الحكاية والحكاية كالحال الحاضر، ويحتمل أن يقال أهلكناهم في الدنيا فلا ناصر لهم ينصرهم ويخلصهم من العذاب الذي هم فيه، ويحتمل أن يقال قوله * (فلا ناصر لهم) * عائد إلى أهل قرية محمد عليه السلام كأنه قال أهلكنا من تقدم أهل قريتك ولا ناصر لأهل قريتك ينصرهم ويخلصهم مما جرى على الأولين.
ثم قال تعالى * (أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم) *.
اعلم أن هذا إشارة إلى الفرق بين النبي عليه السلام والكفار ليعلم أن إهلاك الكفار ونصرة