تعالى يقول: إن في ذلك لذكرى لمن كان ذا قلب واع ذكي يستخرج الأمور بذكائه أو ألقى السمع ويستمع من المنذر فيتذكر، وأما على قولك المراد من صح أن يقال له قلب ولو كان غير واع لا يظهر هذا الحسن، نقول على ما ذكرنا ربما يكون الترتيب أحسن وذلك لأن التقدير يصير كأنه تعالى قال: فيه ذكرى لكل واحد كيف كان له قلب لظهور الأمر، فإن كان لا يحصل لكل أحد فلمن يستمع حاصل ويؤيد ما ذكرنا قوله تعالى: * (أو ألقى السمع) * حيث لم يكل أو استمع لأن الاستماع ينبئ عن طلب زائد، وأما إلقاء السمع فمعناه أن الذكرى حاصلة لمن لا يمسك سمعه بل يرسله إرسالا، وإن لم يقصد السماع كالسامع في الصوت الهائل فإنه يحصل عند مجرد فتح الأذن وإن لم يقصد السماع والصوت الخفي لا يسمع إلا باستماع وتطلب، فنقول الذكرى حاصلة لمن كان له قلب كيف كان قلبه لظهورها فإن لم تحصل فلمن له أذن غير مسدودة كيف كان حاله سواء استمع باجتهاده أو لم يجتهد في سماعه، فإن قيل فقوله تعالى: * (وهو شهيد) * للحال وهو يدل على أن إلقاء السمع بمجرده غير كاف، نقول هذا يصحح ما ذكرناه لأنا قلنا بأن الذكرى حاصلة لمن له قلب ما، فإن لم تحصل له فتحصل له إذا ألقى السمع وهو حاضر بباله من القلب، وأما على الأول فمعناه من ليسه له قلب واع، يحصل له الذكر إذا ألقى السمع وهو حاضر بقلبه فيكون عند الحضور بقلبه يكون له قلب واع، وقد فرض عدمه هذا إذا قلنا بأن قوله: * (وهو شهيد) * بمعنى الحال، وإذا لم نقل به فلا يرد ما ذكر وهو يحتمل غير ذلك بيانه هو أن يقال ذلك إشارة إلى القرآن وتقريره هو أن الله تعالى لما قال في أول السورة: * (ق. والقرآن المجيد * بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم) * (ق: 1، 2) وذكر ما يدفع تعجبهم وبين كونه منذرا صادقا وكون الحشر أمرا واقعا ورغب وأرهب بالثواب والعذاب آجلا وعاجلا وأتم الكلام قال: * (إن في ذلك) * أي القرآن الذي سبق ذكره * (لذكرى لمن كان له قلب) * أو لمن يستمع، ثم قال: * (وهو شهيد) * أي المنذر الذي تعجبتم منه شهيد كما قال تعالى: * (إنا أرسلناك شاهدا) * (الفتح: 8) وقال تعالى: * (ليكون الرسول شهيدا عليكم) * (الحج: 78). ثم قال تعالى:
* (ولقد خلقنا السماوات والارض وما بينهما فى ستة أيام وما مسنا من لغوب) *.
أعاد الدليل مرة أخرى، وقد ذكرنا تفسير ذلك في ألم السجدة، وقلنا: إن الأجسام ثلاثة أجناس. أحدها: السماوات، ثم حركها وخصصها بأمور ومواضع وكذلك الأرض خلقها، ثم دحاها وكذلك ما بينهما خلق أعيانها وأصنافها * (في ستة أيام) * إشارة إلى ستة أطوار، والذي يدل عليه