المسألة الثانية: ما الفرق بين الفضل والنعمة في الآية؟ نقول فضل الله إشارة إلى ما عنده من الخير وهو مستغن عنه، والنعمة إشارة إلى ما يصل إلى العبد وهو محتاج إليه، لأن الفضل في الأصل ينبئ عن الزيادة، وعنده خزائن من الرحمة لا لحاجة إليها، ويرسل منها على عباده ما لا يبقون معه في ورطة الحاجة بوجه من الوجوه، والنعمة تنبئ عن الرأفة والرحمة وهو من جانب العبد، وفيه معنى لطيف وهو تأكيد الإعطاء، وذلك لأن المحتاج يقول للغني: أعطني ما فضل عنك وعندك، وذلك غير ملتفت إليه وأنابه قيامي وبقائي، فإذن قوله * (فضلا من الله) * إشارة إلى ما هو من جانب الله الغني، والنعمة إشارة إلى ما هو من جانب العبد من اندفاع الحاجة، وهذا مما يؤكد قولنا فضلا منصوب بفعل مضمر، وهو الابتغاء والطلب.
المسألة الثالثة: ختم الآية بقوله * (والله عليم حكيم) * فيه مناسبات عدة منها أنه تعالى لما ذكر نبأ الفاسق، قال إن يشتبه على المؤمن كذب الفاسق فلا تعتمدوا على ترويجه عليكم الزور، فإن الله عليم، ولا تقولوا كما كان عادة المنافق لولا يعذبنا الله بما نقول، فإن الله حكيم لا يفعل إلا على وفق حكمته وثانيها: لما قال الله تعالى: * (واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم) * (الحجرات: 7) بمعنى لا يطيعكم، بل يتبع الوحي، قال فإن الله من كونه عليما يعلمه، ومن كونه حكيما يأمره بما تقتضيه الحكمة فاتبعوه ثالثها: المناسبة التي بين قوله تعالى: * (عليم حكيم) * وبين قوله * (حبب إليكم الإيمان) * أي حبب بعلمه الإيمان لأهل الإيمان، واختار له من يشاء بحكمته رابعها: وهو الأقرب، وهو أنه سبحانه وتعالى قال: * (فضلا من الله ونعمة) * ولما كان الفضل هو ما عند الله من الخير المستغني عنه، قال تعالى هو عليم بما في خزائن رحمته من الخير، وكانت النعمة هو ما يدفع به حاجة العبد، قال هو حكيم ينزل الخير بقدر ما يشاء على وفق الحكمة.
ثم قال تعالى * (وإن طآئفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفىء إلى أمر الله فإن فآءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) *.
لما حذر الله المؤمنين من النبأ الصادر من الفاسق، أشار إلى ما يلزم منه استدراكا لما يفوت، فقال فإن اتفق أنكم تبنون على قول من يوقع بينكم، وآل الأمر إلى اقتتال طائفتين من المؤمنين، فأزيلوا ما أثبته ذلك الفاسق وأصلحوا بينهما * (فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي) * أي الظالم يجب عليكم دفعه عنه، ثم إن الظالم إن كان هو الرعية، فالواجب على الأمير دفعهم، وإن كان هو الأمير، فالواجب على المسلمين منعه بالنصيحة فما فوقها، وشرطه أن لا يثير فتنة مثل التي