لكن العام في صورة الخاص متحد مع الخاص ولا يكون أمرا آخر غيره، مثاله الحيوان أعم من الإنسان لكن الحيوان في صورة الإنسان ليس أمرا ينفك عن الإنسان ولا يجوز أن يكون ذلك الحيوان حيوانا ولا يكون إنسانا، فالعام والخاص مختلفان في العموم متحدان في الوجود، فكذلك المؤمن والمسلم، وسنبين ذلك في تفسير قوله تعالى: * (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) * (الذاريات: 363) إن شاء الله تعالى.
المسألة الخامسة: قوله تعالى: * (ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) * هل فيه معنى قوله تعالى: * (قل لم تؤمنوا) *؟ نقول نعم وبيانه من وجوه الأول: هو أنهم لما قالوا آمنا وقيل لهم * (لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) * قالوا إذا أسلمنا فقد آمنا، قيل لا فإن الإيمان من عمل القلب لا غير والإسلام قد يكون عمل اللسان، وإذا كان ذلك عمل القلب ولم يدخل في قلوبكم الإيمان لم تؤمنوا الثاني: لما قالوا آمنا وقيل لهم لم تؤمنوا قالوا جدلا قد آمنا عن صدق نية مؤكدين لما أخبروا فقال: * (ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) * لأن لما يفعل يقال في مقابلة قد فعل، ويحتمل أن يقال بأن الآية فيها إشارة إلى حال المؤلفة إذا أسلموا ويكون إيمانهم بعده ضعيفا قال لهم * (لم تؤمنوا) * لأن الإيمان إيقان وذلك بعد لم يدخل في قلوبكم وسيدخل باطلاعكم على محاسن الإسلام * (وإن تطيعوا الله ورسوله) * يكمل لكم الأجر، والذي يدل على هذا هو أن لما فيها معنى التوقع والانتظار، والإيمان إما أن يكون بفعل المؤمن واكتسابه ونظره في الدلائل، وإما أن يكون إلهاما يقع في قلب المؤمن فقوله * (قل لم تؤمنوا) * أي ما فعلتم ذلك، وقوله تعالى: * (ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) * أي ولا دخل الإيمان في قلبكم إلهاما من غير فعلكم فلا إيمان لكم حينئذ. ثم إنه تعالى عند فعلهم قال: * (لم تؤمنوا) * بحرف ليس فيه معنى الانتظار لقصور نظرهم وفتور فكرهم، وعند فعل الإيمان قال لما يدخل بحرف فيه معنى التوقع لظهور قوة الإيمان، كأنه يكاد يغشي القلوب بأسرها.
ثم إنه تعالى قال: * (وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم) * أي لا ينقصكم والمراد أنكم إذا أتيتم بما يليق بضعفكم من الحسنة فهو يؤتيكم ما يليق به من الجزاء، وهذا لأن من حمل إلى ملك فاكهة طيبة يكون ثمنها في السوق درهما، وأعطاه الملك درهما أو دينارا ينسب الملك إلى قلة العطاء بل البخل، فليس معناه أنه يعطي مثل ذلك من غير نقص، بل المعنى يعطي ما تتوقعون بأعمالكم من غير نقص. وفيه تحريض على الإيمان الصادق، لأن من أتى بفعل من غير صدق نية يضيع عمله ولا يعطي عليه أجرا فقال: وإن تطيعوا وتصدقوا لا ينقص عليكم، فلا تضيعوا أعمالكم بعدم الإخلاص، وفيه أيضا تسلية لقلوب من تأخر إيمانه، كأنه يقول غيري سبقني وآمن حين كان النبي وحيدا وآواه حين كان ضعيفا، ونحن آمنا عندما عجزنا عن مقاومته وغلبنا بقوته، فلا يكون لإيماننا وقع ولا لنا عليه أجر، فقال تعالى إن أجركم لا ينقص وما تتوقعون تعطون، غاية ما في الباب أن التقدم يزيد في أجورهم، وماذا عليكم إذا أرضاكم الله أن يعطي غيركم من خزائن رحمته