ثم قال تعالى: * (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله) * (الأحزاب: 39) وكذلك قوله تعالى: * (يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين) * (الأحزاب: 1) وهذا الوجه مناسب لأن الآية لبيان تباين الفريقين، وهذا يحقق ذلك، من حيث إن المنافق كان يخشى الناس وهم الفريقان، المؤمنون والكافرون فكان يتردد بينهما ويرضي الفريقين ويسخط الله فقال الله تعالى المؤمن المهتدي بخلاف المنافق حيث علم ذاك ولم يعلم ذلك واتقى الله لا غير، واتقى ذلك غير الله.
ثم قال تعالى * (فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جآء أشراطها فأنى لهم إذا جآءتهم ذكراهم) *.
يعني الكافرون والمنافقون لا ينظرون إلا الساعة، وذلك لأن البراهين قد صحت والأمور قد اتضحت وهم لم يؤمنوا فلا يتوقع منهم الإيمان إلا عند قيام الساعة وهو من قبيل بدل الاشتمال على تقدير لا ينظرون إلا الساعة إتيانها بغتة، وقرئ * (فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم) * على الشرط وجزاؤه لا ينفعهم ذكراهم، يدل عليه قوله تعالى: * (فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم) *، وقد ذكرنا أن القيامة سميت بالساعة لساعة الأمور الواقعة فيها من البعث والحشر والحساب.
وقوله * (فقد جاء أشراطها) * يحتمل وجهين أحدهما: لبيان غاية عنادهم وتحقيقه هو أن الدلائل لما ظهرت ولم يؤمنوا لم يبق إلا إيمان اليأس وهو عند قيام الساعة لكن أشراطها بانت فكان ينبغي أن يؤمنوا ولم يؤمنوا فهم في لجة الفساد وغاية العناد ثانيهما: يكون لتسلية قلوب المؤمنين كأنه تعالى لما قال: * (فهل ينظرون) * فهم منه تعذيبهم والساعة عند العوام مستبطأة فكأن قائلا قال متى الساعة؟ فقد جاء أشراطها كقوله تعالى: * (اقتربت الساعة وانشق القمر) * (القمر: 1) والأشراط العلامات، قال المفسرون هي مثل انشقاق القمر ورسالة محمد عليه السلام، ويحتمل أن يقال معنى الأشراط البينات الموضحة لجواز الحشر، مثل خلق الإنسان ابتداء وخلق السماوات والأرض، كما قال تعالى: * (أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم) * (يس: 81) والأول هو التفسير.
ثم قال تعالى: * (فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم) * يعني لا تنفعهم الذكرى إذ لا تقبل التوبة ولا يحسب الإيمان، والمراد فكيف لهم الحال إذا جاءتهم ذكراهم، ومعنى ذلك يحتمل أن يكون هو قوله تعالى: * (هذا يومكم الذي كنتم توعدون) * (الأنبياء: 103) * (هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون) * (الصافات: 21) فيذكرون به للتحسر، وكذلك قوله تعالى: * (ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا) * (الزمر: 71).