الله تحمل على طاعة الرسول، وهذا إشارة إلى العمل بعد حصول العلم، كأنه تعالى قال: يا أيها الذين آمنوا علمتم الحق فافعلوا الخير، وقوله * (ولا تبطلوا أعمالكم) * يحتمل وجوها أحدها: دوموا على ما أنتم عليه ولا تشركوا فتبطل أعمالكم، قال تعالى: * (لئن أشركت ليحبطن عملك) * (الزمر: 65) الوجه الثاني: * (لا تبطلوا أعمالكم) * بترك طاعة الرسول كما أبطل الكتاب أعمالهم بتكذيب الرسول وعصيانه، ويؤيده قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم) * إلى أن قال: * (أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون) * (الحجرات: 2) الثالث: * (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) * (البقرة: 264) كما قال تعالى: * (يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم) * (الحجرات: 17) وذلك أن من يمن بالطاعة على الرسول كأنه يقول هذا فعلته لأجل قلبك، ولولا رضاك به لما فعلت، وهو مناف للاخلاص، والله لا يقبل إلا العمل الخالص.
قوله تعالى * (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم) *.
بين أن الله لا يغفر الشرك وما دون ذلك يغفره إن شاء حتى لا يظن ظان أن أعمالهم وإن بطلت لكن فضل الله باق يغفر لهم بفضله، وإن لم يغفر لهم بعملهم.
* (إنا كل شىء خلقناه بقدر) *.
لما بين أن عمل الكافر الذي له صورة الحسنات محبط، وذنبه الذي هو أقبح السيئات غير مغفور، بين أن لا حرمة في الدنيا ولا في الآخرة، وقد أمر الله تعالى بطاعة الرسول بقوله * (وأطيعوا الرسول) * (النساء: 59) وأمر بالقتال بقوله * (فلا تهنوا) * أي لا تضعفوا بعد ما وجد السبب في الجد في الأمر والاجتهاد في الجهاد فقاله * (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم) * وفي الآيات ترتيب في غاية الحسن، وذلك لأن قوله * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) * (التغابن: 120) يقتضي السعي في القتال لأن أمر الله وأمر الرسول ورد بالجهاد وقد أمروا بالطاعة، فذلك يقتضي أن لا يضعف المكلف ولا يكسل ولا يهن ولا يتهاون، ثم إن بعد المقتضي قد يتحقق مانع ولا يتحقق المسبب، والمانع من القتال إما أخروي وإما دنيوي، فذكر الأخروي وهو أن الكافر لا حرمة له في الدنيا والآخرة، لأنه لا عمل له في الدنيا ولا مغفرة له في الآخرة، فإذا وجد السبب ولم يوجد المانع ينبغي أن يتحقق المسبب، ولم يقدم المانع الدنيوي على قوله * (فلا تهنوا) * إشارة إلى أن الأمور الدنيوية لا ينبغي أن تكون