قوله تعالى: * (ما لها من فروج) * صريح في عدم ذلك، والإخبار عن عدم الشيء لا يكون إخبارا عن عدم إمكانه فإن من قال: ما لفلان قال؟ لا يدل على نفي إمكانه، ثم إنه تعالى بين خلاف قولهم بقوله * (وإذا السماء فرجت) * (المرسلات: 9) وقال: * (إذا السماء انفطرت) * (الانفطار: 1) وقال: * (فهي يومئذ واهية) * (الحاقة: 16) في مقابلة قوله * (سبعا شدادا) * وقال: * (فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان) * (الرحمن: 37) إلى غير ذلك والكل في الرد عليهم صريح وما ذكروه في الدلالة ليس بظاهر، بل وليس له دلالة خفية أيضا، وأما دليلهم المعقول فأضعف وأسخف من تمسكهم بالمنقول.
قوله تعالى * (والارض مددناها وألقينا فيها رواسى وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج) *.
إشارة إلى دليل آخر ووجه دلالة الأرض هو أنهم قالوا: الإنسان إذا مات وفارقته القوة الغاذية والنامية لا تعود إليه تلك القوة، فنقول الأرض أشد جمودا وأكثر خمودا والله تعالى ينبت فيها أنواع النبات وينمو ويزيد، فكذلك الإنسان تعود إليه الحياة وذكر في الأرض ثلاثة أمور كما ذكر في السماء ثلاثة أمور في الأرض المد وإلقاء الرواسي والإنبات فيها، وفي السماء البناء والتزيين وسد الفروج، وكل واحد في مقابلة واحد فالمد في مقابلة البناء، لأن المد وضع والبناء رفع، والرواسي في الأرض ثابتة والكواكب في السماء مركوزة مزينة لها والإنبات في الأرض شقها كما قال تعالى: * (أنا صببنا الماء صبا * ثم شققنا الأرض شقا) * (عبس: 25، 26) وهو على خلاف سد الفروج وإعدامها، وإذا علمت هذا ففي الإنسان أشياء موضوعة وأشياء مرفوعة وأشياء ثابتة كالأنف والأذن وأشياء متحركة كالمقلة واللسان، وأشياء مسدودة الفروج كدور الرأس والأغشية المنسوجة نسجا ضعيفا كالصفاق، وأشياء لها فروج وشقوق كالمناخر والصماخ والفم وغيرها، فالقادر على الأضداد في هذا المهاد، في السبع الشداد، غير عاجز عن خلق نظيرها في هذه الأجساد. (و) تفسير الرواسي قد ذكرناه في سورة لقمان، والبهيج الحسن.
قوله تعالى * (تبصرة وذكرى لكل عبد منيب) *.
يحتمل أن يكون الأمران عائدين إلى الأمرين المذكورين وهما السماء والأرض، على أن خلق السماء تبصرة وخلق الأرض ذكرى، ويدل عليه أن السماء زينتها مستمرة غير مستجدة في كل عام فهي كالشئ المرئي على مرور الزمان، وأما الأرض فهي كل سنة تأخذ زخرفها فذكر السماء تبصرة والأرض تذكرة، ويحتمل أن يكون كل واحد من الأمرين موجودا في كل واحد من الأمرين، فالسماء تبصرة والأرض كذلك، والفرق بين التبصرة والتذكرة هو أن فيها آيات