ثم قال تعالى * (ويقول الذين ءامنوا لولا نزلت سورة فإذآ أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين فى قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشى عليه من الموت فأولى لهم) *.
لما بين الله حال المنافق والكافر والمهتدي المؤمن عند استماع الآيات العلمية من التوحيد والحشر وغيرهما بقوله * (ومنهم من يستمع إليك) * (محمد: 16) وقوله * (والذين اهتدوا زادهم هدى) * (محمد: 17) بين حالهم في الآيات العملية، فإن المؤمن كان ينتظر ورودها ويطلب تنزيلها وإذا تأخر عنه التكليف كان يقول هلا أمرت بشيء من العبادة خوفا من أن لا يؤهل لها، والمنافق إذا نزلت السورة أو الآية وفيها تكليف شق عليه، ليعلم تباين الفريقين في العلم والعمل، حيث لا يفهم المنافق العلم ولا يريد العمل، والمؤمن يعلم ويحب العمل وقولهم * (لولا نزلت سورة) * المراد منه سورة فيها تكليف بمحن المؤمن والمنافق.
ثم إنه تعالى أنزل سورة فيها القتال فإنه أشق تكليف وقوله * (سورة محكمة) * فيها وجوه: أحدها: سورة لم تنسخ ثانيها: سورة فيها ألفاظ أريدت حقائقها بخلاف قوله * (الرحمن على العرش استوى) * (طه: 5) وقوله * (في جنب الله) * (الزمر: 56) فإن قوله تعالى: * (فضرب الرقاب) * (محمد: 4) أراد القتل وهو أبلغ من قوله * (فاقتلوهم) * (البقرة: 191) وقوله * (واقتلوهم حيث ثقفتموهم) * (النساء: 91) صريح وكذلك غير هذا من آيات القتال وعلى الوجهين فقوله * (محكمة) * فيها فائدة زائدة من حيث إنهم لا يمكنهم أن يقولوا المراد غير ما يظهر منه، أو يقولوا هذه آية وقد نسخت فلا نقاتل، وقوله * (رأيت الذين في قلوبهم مرض) * أي المنافقين * (ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت) * لأن عند التكليف بالقتال لا يبقى لنفاقهم فائدة، فإنهم قيل القتال كانوا يترددون إلى القبيلتين وعند الأمر بالقتال لم يبق لهم إمكان ذلك * (فأولى لهم) * دعاء كقول القائل فويل لهم، ويحتمل أن يكون هو خبر لمبتدأ محذوف سبق ذكره وهو الموت كأن الله تعالى لما قال: * (نظر المغشي عليه من الموت) * قال فالموت أولى لهم، لأن الحياة التي لا في طاعة الله ورسوله الموت خير منها، وقال الواحدي يجوز أن يكون المعنى فأولى لهم طاعة أي الطاعة أولى لهم.
ثم قال تعالى * (طاعة وقول معروف فإذا عزم الامر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم) *.
ثم قال تعالى: * (طاعة وقول معروف) *. كلام مستأنف محذوف الخبر تقديره خير لهم أي أحسن وأمثل، لا يقال طاعة نكرة لا تصلح