تصب العين ومنصوبا لدى الذهن يرقبه يفعل بلفظه ما كان في معناه، ولهذا قالوا في الإضافة أن المضاف لما جر أمرا إلى أمر في المعنى جزء في اللفظ، والذي يؤيد ما ذكرنا أن الفعل إنما ينصب بأن ولن وكي وإذن، وخلوص الفعل للاستقبال في هذه المواضع لازم والحرف الذي يجعل الفعل للحال يمنع النصب حيث لا يجوز أن تقول إن فلانا ليضرب فإن قيل: السين وسوف مع أنهما يخلصان الفعل للاستقبال لا ينصبان ويمنعان النصب بالناصب كما في قوله تعالى: * (علم أن سيكون منكم مرضى) * (المزمل: 20) نقول: سوف والسين ليسا بمعنى غير اختصاص الفعل بالاستقبال وأن ولن بمعنى لا يصح إلا في الاستقبال فلم يثبت بالسين إلا الاستقبال ولم يثبت به معنى في الاستقبال والمنتظر هو ما في الاستقبال لا نفس الاستقبال، مثاله إذا قلت أعبد الله كي يغفر لي أو ليغفر لي أثبتت كي غرضا وهو المغفرة، وهي في المستقبل من الزمان، وإذا قلت: أستغفرك ربي أثبتت السين استقبال المغفرة، وفرق بين ما يكون المقصود من الكلام بيان الاستقبال، لكن الاستقبال لا يوجد إلا في معنى فأتى بالمعنى ليبين به الاستقبال وبين ما يكون المقصود منه معنى في المستقبل فتذكر الاستقبال لتبين محل مقصودك.
* (يوم لا يغنى عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون) *.
لما قال: * (يلاقوا يومهم) * (الطور: 45) وكل بر وفاجر يلاقي يومه أعاد صفة يومهم وذكر ما يتميز به يومهم عن يوم المؤمنين فقال: * (يوم لا يغني) * وهو يخالف يوم المؤمنين فإنه تعالى قال فيه * (يوم ينفع الصادقين) * (المائدة: 119) وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في * (يوم لا يغني) * وجهان الأول: بدل عن قوله * (يومهم) * (الطور: 45) ثانيهما: ظرف * (يلاقوا) * أي يلاقو يومهم يوم، فإن قيل هذا يلزم منه أن يكون اليوم في يوم فيكون اليوم ظرف اليوم نقول هو على حد قول من يقول يأتي يوم قتل فلان يوم تبين جرائمه ولا مانع منه، وقد ذكرنا بحث الزمان وجواز كونه ظرفا في قوله تعالى: * (يومئذ) * وجواز إضافة اليوم إلى الزمان مع أنه زمان.
المسألة الثانية: قال تعالى: * (يوم لا يغني عنهم كيدهم) * ولم يقل يوم لا يغنيهم كيدهم مع أن الإغناء يتعدى بنفسه لفائدة جليلة وهي أن قول القائل أغناني كذا يفهم منه أنه نفعني، وقوله أغنى عني يفهم منه أنه دفع عني الضرر وذلك لأن قوله أغناني معناه في الحقيقة أفادني غير مستفيد وقوله: أغنى عني، أي لم يحوجني إلى الحضور فأغنى غيري عن حضوري يقول من يطلب لأمر: خذوا عني ولدي، فإنه يغني عني أي يغنيكم عني فيدفع عني أيضا مشقة الحضور فقوله * (لا يغني عنهم) * أي لا يدفع عنهم الضرر، ولا شك أن قوله لا يدفع عنهم ضررا أبلغ من قوله لا ينفعهم نفعا وإنما في المؤمن لو قال يوم يغني عنهم صدقهم لما فهم منه نفعهم فقال: * (يوم ينفع) * (المائدة: 119) كأنه قال يوم يغنيهم