الله تعالى لما قدر أن يهلك قوما كثيرا وجما غفيرا، وكان ذلك مما يحزن إبراهيم عليه السلام شفقة منه على عباده قال لهم بشروه بغلام يخرج من صلبه أضعاف ما يهلك، ويكون من صلبه خروج الأنبياء عليهم السلام.
ثم قال تعالى:
* (إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: ما العامل في إذ؟ فيه وجوه. أحدها: ما في المكرمين من الإشارة إلى الفعل إن قلنا وصفهم بكونهم مكرمين بناء على أن إبراهيم عليه السلام أكرمهم فيكون كأنه تعالى يقول: أكرموا إذ دخلوا، وهذا من شأن الكريم أن يكرم ضيفه وقت الدخول. ثانيها: ما في الضيف من الدلالة على الفعل، لأنا قلنا إن الضيف مصدر فيكون كأنه يقول: أضافهم إذ دخلوا. وثالثها: يحتمل أن يكون العامل فيه أتاك تقديره ما أتاك حديثهم وقت دخولهم، فاسمع الآن ذلك، لأن هل ليس للاستفهام في هذا الموضع حقيقة بل للإعلام، وهذا أولى لأنه فعل مصرح به، ويحتمل أن يقال أذكر إذ دخلوا.
المسألة الثانية: لماذا اختلف إعراب السلامين في القراءة المشهورة؟ نقول: نبين أولا وجوه النصب والرفع، ثم نبين وجوه الاختلاف في الإعراب، أما النصب فيحتمل وجوها:
أحدها: أن يكون المراد من السلام هو التحية وهو المشهور، ونصبه حينئذ على المصدر تقديره نسلم سلاما. ثانيها: هو أن يكون السلام نوعا من أنواع الكلام وهو كلام سلم به المتكلم من أن يلغو أو يأثم فكأنهم لما دخلوا عليه فقالوا حسنا سلموا من الإثم، وحينئذ يكون مفعولا للقول لأن مفعول القول هو الكلام، يقال قال فلان كلاما، ولا يكون هذا من باب ضربه سوطا لأن المضروب هناك ليس هو السوط، وههنا القول هو الكلام فسره قوله تعالى: * (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) * (الفرقان: 63) وقوله تعالى: * (قيلا سلاما سلاما) * (الواقعة: 21).
ثالثها: أن يكون مفعول فعل محذوف تقديره نبلغك سلاما، لا يقال على هذا إن المراد لو كان ذلك لعلم كونهم رسل الله عند السلام فما كان يقول: * (قوم منكرون) * ولا كان يقرب إليهم الطعام، ولما قال: * (نكرهم وأوجس) * (هود: 70) لأنا نقول جاز أن يقال إنهم قالوا: نبلغك سلاما ولم يقولوا من الله تعالى إلى أن سألهم إبراهيم عليه السلام ممن تبلغون لي السلام، وذلك لأن الحكيم لا يأتي بالأمر العظيم إلا بالتدريج فلما كانت هيبتهم عظيمة، فلو ضموا إليه الأمر العظيم الذي هو السلام من الله تعالى لانزعج إبراهيم عليه السلام، ثم إن إبراهيم عليه السلام اشتغل بإكرامهم عن سؤالهم وآخر السؤال إلى حين الفراغ فنكرهم بين السلام والسؤال عمن منه السلام هذا وجه النصب، وأما الرفع فنقول يحتمل أن المراد منه السلام الذي هو التحية وهو المشهور أيضا، وحينئذ يكون مبتدأ خبره محذوف