كذلك، فإن المهتدي فهم واستنبط لوازمه وتوابعه، فذلك لعماء القلوب، لا لخفاء المطلوب وفيه مسائل: المسألة الأولى: ما الفاعل للزيادة في قوله * (زادهم) *؟ نقول فيه وجوه الأول: المسموع من النبي عليه الصلاة والسلام من كلام الله وكلام الرسول يدل عليه قوله * (ومنهم من يستمع إليك) * (محمد: 16) فإنه يدل على مسموع، والمقصود بيان التباين بين الفريقين، فكأنه قال: هم لم يفهموه، وهؤلاء فهموه والثاني: أن الله تعالى زادهم ويدل عليه قوله تعالى: * (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم) * (محمد: 16) وكأنه تعالى طبع على قلوبهم فزادهم عمى، والمهتدين زاده هدى والثالث: استهزاء المنافق زاد المهتدي هدى، ووجهه أنه تعالى لما قال: * (واتبعوا أهواءهم) * قال: * (والذين اهتدوا زادهم) * اتباعهم الهدى هدى، فإنهم استقبحوا فعلهم فاجتنبوه.
المسألة الثانية: ما معنى قوله * (وآتاهم تقواهم) *؟ نقول فيه وجوه منقولة ومستنبطة، أما المنقولة فنقول: قيل فيه إن المراد آتاهم ثواب تقواهم، وقيل آتاهم نفس تقواهم من غير إضمار، يعني بين لهم التقوى، وقيل آتاهم توفيق العمل بما علموا. وأما المستنبط فنقول: يحتمل أن يكون المراد به بيان حال المستمعين للقرآن الفاهمين لمعانيه المفسرين له بيانا لغاية الخلاف بين المنافق، فإنه استمع ولم يفهمه، وستعاد ولم يعلمه، والمهتدي فإنه علمه وبينه لغيره، ويدل عليه قوله تعالى: * (زادهم هدى) * ولم يقل اهتداء، والهدى مصدر من هدى، قال الله تعالى: * (فبهداهم اقتده) * (الأنعام: 90) أي خذ بما هدوا واهتد كما هدوا، وعلى هذا فقوله تعالى: * (وآتاهم تقواهم) * معناه جنبهم عن القول في القرآن بغير برهان، وحملهم على الاتقاء من التفسير بالرأي، وعلى هذا فقوله * (زادهم هدى) * معناه كانوا مهتدين فزادهم على الاهتداء هدى حتى ارتقوا من درجة المهتدين إلى درجة الهادين ويحتمل أن يقال قوله * (زادهم هدى) * إشارة إلى العلم * (وآتاهم تقواهم) * إشارة إلى الأخذ بالاحتياط فيما لم يعلموه، وهو مستنبط من قوله تعالى: * (فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) * (الزمر: 17، 18) وقوله * (والراسخون في العلم يقولون آمنا به) * (آل عمران: 7).
المعنى الثالث: يحتمل أن يكون المراد بيان أن المخلص على خطر فهو أخشى من غيره، وتحقيقه هو أنه لما قال: * (زادهم هدى) * أفاد أنهم ازداد علمهم، وقال تعالى: * (إنما يخشى الله من عباده العلماء) * (فاطر: 28) فقال آتاهم خشيتهم التي يفيدها العلم.
والمعنى الرابع: تقواهم من يوم القيامة كما قال تعالى: * (يا أيها الناس اتقوا ربكم أخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده) * (لقمان: 33) ويدل عليه قوله تعالى: * (فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة) * (محمد: 18) كأن ذكر الساعة عقيب التقوى يدل عليه.
المعنى الخامس: آتاهم تقواهم، التقوى التي تليق بالمؤمن، وهي التقوى التي لا يخاف معها لومة لائم.