للكافر، فإنه أضل من الأنعام وأذل من الهوام. نقول ذلك غير لازم مع أنه حاصل بدليل قوله تعالى: * (ولقد كرمنا بني آدم) * (الإسراء: 70) لأن كل من خلق فقد اعترف بربه، كأنه تعالى قال من استمر عليه لو زاد زيد في كرامته، ومن رجع عنه أزيل عنه أثر الكرامة الثاني: ما حد التقوى ومن الأتقى؟ تقول أدنى مراتب التقوى أن يجتنب العبد المناهي ويأتي بالأوامر ولا يقر ولا يأمن إلا عندهما فإن اتفق أن ارتكب منهيا لا يأمن ولا يتكل له بل يتبعه بحسنة ويظهر عليه ندامة وتوبة، ومتى ارتكب منهيا وما تاب في الحال واتكل على المهلة في الأجل ومنعه عن التذاكر طول الأمل فليس بمتق، أما الأتقى فهو الذي يأتي بما أمر به ويترك ما نهى عنه، وهو مع ذلك خاش ربه لا يشتغل بغير الله، فينور الله قلبه، فإن التفت لحظة إلى نفسه أو ولده جعل ذلك ذنبه، وللأولين النجاة لقوله تعالى: * (ثم ننجي الذين اتقوا) * (مريم: 72) وللآخرين السوق إلى الجنة لقوله تعالى: * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * فبين من أعطاه السلطان بستانا وأسكنه فيه، وبين من استخلصه لنفسه يستفيد كل يوم بسبب القرب من بساتين وضياعا بون عظيم.
ثم قال تعالى: * (إن الله عليم خبير) * أي عليم بظواهركم، يعلم أنسابكم خبير ببواطنكم لا تخفى عليه أسراركم، فاجعلوا التقوى عملكم وزيدوا في التقوى كما زادكم.
ثم قال تعالى * (قالت الاعراب ءامنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان فى قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم) *.
لما قال تعالى: * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * (الحجرات: 13) والأتقى لا يكون إلا بعد حصول التقوى، وأصل الإيمان هو الاتقاء من الشرك، قالت الأعراب لنا النسب الشريف، وإنما يكون لنا الشرف، قال الله تعالى: ليس الإيمان بالقول، إنما هو بالقلب فما آمنتم لأنه خبير يعلم ما في الصدور، * (ولكن قولوا أسلمنا) * أي انقدنا واستسلمنا، قيل إن الآية نزلت في بني أسد، أظهروا الإسلام في سنة مجدبة طالبين الصدقة ولم يكن قلبهم مطمئنا بالإيمان، وقد بينا أن ذلك كالتاريخ للنزول لا للاختصاص بهم، لأن كل من أظهر فعل المتقين وأراد أن يصير له ما للأتقياء من الإكرام لا يحصل له ذلك، لأن التقوى من عمل القلب، وقوله تعالى: * (قل لم تؤمنوا) * في تفسيره مسائل: