مستحقا على الله تعالى، وأعظم أنواع هذا النوع الإحسان إلى الوالدين، لا جرم أردفه بهذا المعنى، فقال تعالى: * (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا) * وقد تقدم الكلام في نظير هذه الآية في سورة العنكبوت، وفي سورة لقمان، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ عاصم وحمزة والكسائي * (بوالديه إحسانا) * والباقون * (حسنا) *.
واعلم أن الإحسان خلاف الإساءة والحسن خلاف القبيح، فمن قرأ * (إحسانا) * فحجته قوله تعالى في سورة بني إسرائيل * (وبالوالدين إحسانا) * (الإسراء: 43) والمعنى أمرناه بأن يوصل إليهما إحسانا، وحجة القراءة الثانية قوله تعالى في العنكبوت * (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا) * (العنكبوت: 8) ولم يختلفوا فيه، والمراد أيضا أنا أمرناه بأن يوصل إليهما فعلا حسنا، إلا أنه سمى ذلك الفعل الحسن بالحسن على سبيل المبالغة، كما يقال: هذا الرجل علم وكرم، وانتصب حسنا على المصدر، لأن معنى * (ووصينا الإنسان بوالديه) * أمرناه أن يحسن إليهما * (إحسانا) *.
ثم قال تعالى: * (حملته أمه كرها ووضعته كرها) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي * (كرها) * بضم الكاف، والباقون بفتحها، قيل هما لغتان: مثل الضعف والضعف، والفقر والفقر، ومن غير المصادر: الدف والدف، والشهد والشهد، قال الواحدي: الكره مصدر من كرهت الشيء أكرهه، والكره الاسم كأنه الشيء المكروه قال تعالى: * (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) * (البقرة: 216) فهذا بالضم، وقال: * (أن ترثوا النساء كرها) * (النساء: 19) فهذا في موضع الحال، ولم يقرأ الثانية بغير الفتح، فما كان مصدرا أو في موضع الحال فالفتح فيه أحسن، وما كان اسما نحو ذهبت به على كره كان الضم فيه أحسن.
المسألة الثانية: قال المفسرون. حملته أمه على مشقة ووضعته في مشقة، وليس يريد ابتداء الحمل، فإن ذلك لا يكون مشقة، وقد قال تعالى: * (فلما تغشاها حملت حملا خفيفا) * (الأعراف: 189) يريد ابتداء الحمل، فإن ذلك لا يكون مشقة، فالحمل نطفة وعلقة ومضغة، فإذا أثقلت فحينئذ * (حملته كرها ووضعته كرها) * يريد شدة الطلق.
المسألة الثالثة: دلت الآية على أن حق الأم أعظم، لأنه تعالى قال أولا: * (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا) * فذكرهما معا، ثم خص الأم بالذكر، فقال: * (حملته أمه كرها ووضعته كرها) * وذلك يدل على أن حقها أعظم، وأن وصول المشاق إليها بسبب الولد أكثر، والأخبار مذكورة في هذا الباب.
ثم قال تعالى: * (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: هذا من باب حذف المضاف، والتقدير ومرة حمله وفصاله ثلاثون شهرا والفصال الفطام وهو فصله عن اللبن، فإن قيل المراد بيان مدة الرضاعة لا الفطام، فكيف عبر عنه بالفصال؟ قلنا: لما كان الرضاع يليه الفصال ويلائمه، لأنه ينتهي ويتم به سمي فصالا.