القائل: فلان يعطي ويمنع ولا يقال يعطي زيدا ويمنع عمرا لأن غرضه ذكر كونه فاعلا لا بيان المفعول، وكذلك ههنا المقصود إرشاد المؤمنين إلى الفضل.
ثم قال تعالى: * (حتى تضع الحرب أوزارها) *.
وفي تعلق * (حتى) * وجهان أحدهما: تعلقها بالقتل أي اقتلوهم حتى تضع وثانيهما: بالمن والفداء، ويحتمل أن يقال متعلقة بشدوا الوثاق وتعلقها بالقتل أظهر وإن كان ذكره أبعد، وفي الأوزار وجهان أحدهما: السلاح والثاني: الآثام وفيه مسائل:
المسألة الأولى: إن كان المراد الإثم، فكيف تضع الحرب الإثم والإثم على المحارب؟ وكذلك السؤال في السلاح لكنه على الأول أشد توجها، فيقول تضع الحرب الأوزار لا من نفسها، بل تضع الأوزار التي على المحاربين والسلاح الذي عليهم.
المسألة الثانية: هل هذا كقوله تعالى: * (واسئل القرية) * (يوسف: 82) حتى يكون كأنه قال حتى تضع أمة الحرب أو فرقة الحرب أوزارها؟ نقول ذلك محتمل في النظر الأول، لكن إذا أمعنت في المعنى تجد بينهما فرقا، وذلك لأن المقصود من قوله * (حتى تضع الحرب أوزارها) * الحرب بالكلية بحيث لا يبقى في الدنيا حزب من أحزاب الكفر يحارب حزبا من أحزاب الإسلام، ولو قلنا حتى تضع أمة الحرب جاز أن يضعوا الأسلحة ويتركوا الحرب وهي باقية بمادتها كما تقول خصومتي ما انفصلت ولكني تركتها في هذه الأيام، وإذا أسندنا الوضع إلى الحرب يكون معناه إن الحرب لم يبق.
المسألة الثالثة: لو قال حتى لا يبقى حزب أو ينفر من الحرب هل يحصل معنى قوله * (حتى تضع الحرب أوزارها) * نقول لا والتفاوت بين العبارتين مع قطع النظر عن النظم، بل النظر إلى نفس المعنى كالتفاوت بين قولك انقرضت دولة بني أمية، وقولك لم يبق من دولتهم أثر، ولا شك أن الثاني أبلغ، فكذلك ههنا قوله تعالى: * (أوزارها) * معناه آثارها فإن من أوزار الحرب آثارها.
المسألة الرابعة: وقت وضع أوزار الحرب متى هو؟ نقول فيه أقوال حاصلها راجع إلى أن ذلك الوقت هو الوقت الذي لا يبقى فيه حزب من أحزاب الإسلام وحزب من أحزاب الكفر وقيل ذلك عند قتال الدجال ونزول عيسى عليه السلام.
ثم قال تعالى: * (ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم) *. في معنى ذلك وجهان أحدهما: الأمر ذلك والمبتدأ محذوف ويحتمل أن يقال ذلك واجب أو مقدم، كما يقول القائل إن فعلت فذاك أي فذاك مقصود ومطلوب، ثم بين أن قتالهم ليس طريقا متعينا بل الله لو أراد أهلكهم من غير جند.