ولم يحصل له غنى لا يكون كمن حصل له غنى، وإن لم يشتغل، كالعبد المتكسب إذا ترك الشغل لحاجته ووجد مطلبا يرضى منه السيد إذا كان شغله التكسب، وأما من يراد منه الفعل لذات الفعل، كالجائع إذا بعث عبده لإحضار الطعام فاشتغل بأخذ المال من مطلب فربما لا يرضى به السيد فالمقصود من الرزق الغنى، فلم يقل بلفظ الفعل والمقصود من الإطعام الفعل نفسه فذكر بلفظ الفعل، ولم يقل وما أريد منهم من طعام هذا مع ما في اللفظين من الفصاحة والجزالة للتنويع.
المسألة الرابعة: إذا كان المعنى به ما ذكرت، فما فائدة الإطعام وتخصيصه بالذكر مع أن المقصود عدم طلب فعل منهم غير التعظيم؟ نقول لما عمم في المطلب الأول اكتفى بقوله * (من رزق) * فإنه يفيد العموم، وأشار إلى التعظيم فذكر الإطعام، وذلك لأن أدنى درجات الأفعال أن تستعين السيد بعبده أو جاريته في تهيئة أمر الطعام، ونفي الأدنى يستتبعه نفي الأعلى بطريق الأولى فصار كأنه تعالى قال: ما أريد منهم من عين ولا عمل.
المسألة الخامسة: على ما ذكرت لا تنحصر المطالب فيما ذكره، لأن السيد قد يشتري لعبد لا لطلب عمل منه ولا لطلب رزق ولا للتعظيم، بل تشتريه للتجارة والربح فيه، نقول عموم قوله * (ما أريد منهم من رزق) * يتناول ذلك فإن من اشترى عبدا ليتجر فيه فقد طلب منه رزقا.
المسألة السادسة: ما أريد في العربية يفيد النفي في الحال، والتخصيص بالذكر يوهم نفي ما عدا المذكور، لكن الله تعالى لا يريد منهم رزقا لا في الحال ولا في الاستقبال، فلم لم يقل لا أريد منهم من رزق ولا أريد؟ نقول ما للنفي في الحال، ولا للنفي في الاستقبال، فالقائل إذا قال فلان لا يفعل هذا الفعل وهو في الفعل لا يصدق، لكنه إذا ترك مع فراغه من قوله يصدق القائل، ولو قال ما يفعل لما صدق فيما ذكرنا من الصورة، مثاله إذا كان الإنسان في الصلاة وقال قائل إنه ما يصلي فانظر إليه فإذا كان نظر إليه الناظر وقد قطع صلاة نفسه صح أن يقول إنك لا تصلي، ولو قال القائل إنه ما يصلي في تلك الحالة لما صدق، فإذا علمت هذا فكل واحد من اللفظين للنافية فيه خصوص لكن النفي في الحال أولى لأن المراد من الحال الدنيا والاستقبال هو في أمر الآخرة فالدنيا وأمورها كلها حالية فقوله * (ما أريد) * أي في هذه الحالة الراهنة التي هي ساعة الدنيا، ومن المعلوم أن العبد بعد موته لا يصلح أن يطلب منه رزق أو عمل فكان قوله * (ما أريد) * مفيدا للنفي العام، ولو قال لا أريد لما أفاد ذلك.
* (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) *.
ثم قال تعالى: * (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) * تعليلا لما تقدم من الأمرين، فقوله هو الرزاق تعليل لعدم طلب الرزق وقوله تعالى: * (ذو القوة) * تعليل لعدم طلب العمل، لأن من يطلب رزقا يكون فقيرا محتاجا ومن يطلب عملا من غيره يكون عاجزا لا قوة له، فصار كأنه يقول ما أريد منهم من رزق فإني أنا الرزاق ولا عمل فإني قوي وفيه مباحث الأول: قال: * (ما أريد) * ولم يقل إني