بيانه هو أنه تعالى لما بين رسالة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله * (إن هو إلا وحي يوحى) * (النجم: 4) إلى آخره وبين بعض ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وهو التوحيد، قال إذا علمتم صدق محمد ببيان رسالة الله تعالى: * (فلله الآخرة والأولى) * لأنه صلى الله عليه وسلم أخبركم عن الحشر فهو صادق الخامس: هو أن الكفار كانوا يقولون للمؤمنين أهؤلاء أهدى منا؟ وقالوا * (لو كان خيرا ما سبقونا إليه) * (الأحقاف: 11) فقال تعالى: إن الله اختار لكم الدنيا وأعطاكم الأموال ولم يعط المؤمنين بعض ذلك الأمر بل قلتم: لو شاء الله لأغناهم وتحققتم هذه القضية * (فلله الآخرة والأولى) * قولوا في الآخرة ما قلتم في الدنيا يهدي الله من يشاء كما يغني الله ما يشاء.
المسألة الثانية: * (الآخرة) * صفة ماذا؟ نقول صفة الحياة أو صفة الدار وهي اسم فاعل من فعل غير مستعمل، تقول أخرته فتأخر وكان من حقه أن تقول فأخر كما تقول غبرته فغبر فمنعت منه سماعا، ولهذا البحث فائدة ستأتي إن شاء الله.
المسألة الثالثة: * (الأولى) * فعلى للتأنيث، فالأول إذن أفعل صفة. وفيه مباحث:
البحث الأول: لا بد من فاعل أخذ منه الأفعل والفعلي فإن كل فعلى وأفعل للتأنيث والتذكير له أصل فليؤخذ منه كالفضلى والأفضل من الفاضلة والفاضل، فما ذلك؟ نقول ههنا أخذ من أصل غير مستعمل كما قلنا إن الآخر فاعل من فعل غير مستعمل، وسبب ذلك هو أن كل فعل مستعمل فله آخر، وذلك لأن له ماضيا فإذا استعملت ماضيه لزم فراغ الفعل وإلا لكان الفاعل بعد في الفعل فلا يكون ماضيا فإنك لا تقول لمن هو بعد الأكل أكل إلا متجوزا عندما يبقى له قليل، فيقول أكل إشارة إلى أن ما بقي غير معتد به وتقول لمن قرب من الفراغ فرغت فيقول فرغت بمعنى أن ما بقي قليل لا يعتد به فكأني فرغت، وأما الماضي في الحقيقة لا يصح إلا عند تمام الشيء والفراغ عنه فإذا للفعل المستعمل آخر فلو كان لقولنا آخر على وزن فاعل فعل هو آخر يأخر كأمر يأمر لكان معناه صدر مصدره كجلس معناه صدر الجلوس منه بالتمام والكمال فكان ينبغي أن القائل إذا قال فلان آخر كان معناه وجد منه تمام الآخرية وفرغ منها فلا يكون بعد ما يكون آخر لكن تقدم أن كل فعل فله آخر بعده لا يقال يشكل بقولنا تأخر فإن معناه صار آخرا لأنا نقول وزن الفعل ينادي على صحة ما ذكرنا فإنه من باب التكلف والتكبر إذا استعمل في غير المتكبر أي يرى أنه آخر، وليس في الحقيقة كذلك، إذا علمت هذا فنقول الآخر فاعل ليس له فعل، ومبالغته بأفعل وهو كقولنا أأخر، فنقلت الهمزة إلى مكان الألف، والألف إلى مكان الهمزة، فصارت الألف همزة والهمزة ألفا، ويدل عليه التأويل في المعنى، فإن آخر الشيء جزء منه متصل به والآخر مباين عنه منفصل والمنفصل بعد المتصل، والآخر أشد تأخرا عن الشيء من آخره، والأول أفعل ليس له فاعل، وليس له فعل، والأول أبعد عن الفعل من الآخر، وذلك لأن الفعل الماضي علم له آخر من وصفه بالماضي ولولا ذلك الوصف لما علم له آخر، وأما الفعل لتفسير كونه فعلا علم له أول لأن الفعل لا بد له من فاعل يقوم به، أو يوجد منه فإذا الفاعل أولا ثم الفعل، فإذا