وأعرضوا، ونقل عن ابن قتيبة أن المراد من الكتابة الحكم معناه يحكمون وتمسك بقوله صلى الله عليه وسلم: " اقض بيننا بكتاب الله " أي حكم الله وليس المراد ذلك، بل هو من باب الإضمار معناه بما في كتاب الله تعالى يقال فلان يقضي بمذهب الشافعي أي بما فيه، ويقول الرسول الذي معه كتاب الملك للرعية اعملوا بكتاب الملك.
* (أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون) *.
فيه مسائل:
المسألة الأولى: ما وجه التعلق والمناسبة بين الكلامين؟ قلنا يبين ذلك ببيان المراد من قوله * (أم يريدون كيدا) * فبعض المفسرين قال أم يريدون أن يكيدوك فهم المكيدون، أي لا يقدرون على الكيد فإن الله يصونك بعينه وينصرك بصونه، وعلى هذا إذا قلنا بقول من يقول * (أم عندهم الغيب) * (القلم: 47) متصل بقوله تعالى: * (نتربص به ريب المنون) * (الطور: 30) فيه ترتيب في غاية الحسن وهو أنهم لما قالوا * (نتربص به ريب المنون) * قيل لهم أتعلمون الغيب فتعلمون أنه يموت قبلكم أم تريدون كيدا فتقولون نقتله فيموت قبلنا فإن كنتم تدعون الغيب فأنتم كاذبون، وإن كنتم تظنون أنكم تقدرون عليه فأنتم غالطون فإن الله يصونه عنكم وينصره عليكم، وأما على ما قلنا إن المراد منه أنه صلى الله عليه وسلم لا يسألكم على الهداية مالا وأنتم لا تعلمون ما جاء به لولا هدايته لكونه من الغيوب، فنقول فيه وجوه الأول: أن المراد من قوله تعالى: * (أم يريدون كيدا) * أي من الشيطان وإزاغته فيحصل مرادهم كأنه تعالى قال أنت لا تسألهم أجرا وهم يعلمون الغيب فهم محتاجون إليك وأعرضوا فقد اختاروا كيد الشيطان ورضوا بإزاغته، والإرادة بمعنى الاختيار والمحبة، كما قال تعالى: * (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه) * (الشورى: 20) وكما قال: * (أئفكا آلهة دون الله تريدون) * (الصافات: 86) وأظهر من ذلك قوله تعالى: * (إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك) * (المائدة: 29) الوجه الثاني: أن يقال إن المراد والله أعلم أم يريدون كيدا لله فهو واصل إليهم وهم عن قريب مكيدون، وترتيب الكلام هو أنهم لما لم يبق حجة في الإعراض فهم يريدون نزول العذاب بهم والله أرسل إليهم رسولا لا يسألهم أجرا ويهديهم إلى ما لا علم لهم ولا كتاب عندهم وهم يعرضون، فهم يريدون إذا أن يهلكهم ويكيدهم، لأن الاستدراج كيد والإملاء لازدياد الإثم، كذلك لا يقال هو فاسد لأن الكيد والإساءة لا يطلق على فعل الله تعالى إلا بطريق المقابلة، وكذلك المكر فلا يقابله أساء الله إلى الكفار ولا اعتدى الله إلا إذا ذكر أولا فيهم شيء من ذلك، ثم قال بعد ذلك بسببه لفظا في حق الله تعالى كما في قوله تعالى: * (وجزاء سيئة سيئة مثلها) * (الشورى: 40) وقال: * (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه) * (البقرة: 194) وقال: * (ومكروا ومكر الله) * (آل عمران: 54) وقال: * (يكيدون كيدا وأكيد كيدا) * (الطارق: 15، 16) لأنا نقول الكيد ما يسوء من نزل به وإن حسن ممن وجد منه، ألا ترى أن إبراهيم عليه السلام قال: * (لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين) * (الأنبياء: 57) من غير مقابلة.