لم يقدر الله أن يضر لا يقدر على الضرر وإن قدر عليه بتقدير الله فسيزول الضرر بموت المعذب أو المعذب، وأما الله تعالى فلا راد لما أراد ولا آخر لعذابه، وقال تعالى: * (بالغيب) * أي كانت خشيتهم قبل ظهور الأمور حيث ترى رأي العين، وقوله تعالى: * (وجاء بقلب منيب) * إشارة إلى صفة مدح أخرى، وذلك لأن الخاشي قد يهرب ويترك القرب من المخشي ولا ينتفع، وإذا علم المخشي أنه تحت حكمه تعالى علم أنه لا ينفعه الهرب، فيأتي المخشي وهو (غير) خاش فقال: * (وجاء) * ولم يذهب كما يذهب الآبق، وقوله تعالى: * (بقلب منيب) * الباء فيه يحتمل وجوها ذكرناها في قوله تعالى: * (وجاءت سكرة الموت بالحق) * (ق: 19). أحدها: التعدية أي أحضر قلبا سليما، كما يقال ذهب به إذا أذهبه. ثانيها: المصاحبة يقال: اشترى فلان الفرس بسرجه أي مع سرجه، وجاء فلان بأهله أي مع أهله. ثالثها: وهو أعرفها الباء للسبب يقال: ما أخذ فلان إلا بقول فلان وجاء بالرجاء له فكأنه تعالى قال: جاء وما جاء إلا بسبب إنابة في قلبه علم أنه لا مرجع إلا إلى الله فجاء بسبب قلبه المنيب، والقلب المنيب كالقلب السليم في قوله تعالى: * (إذا جاء ربه بقلب سليم) * (الصافات: 84) أي سليم من الشرك، ومن سلم من الشرك يترك غير الله ويرجع إلى الله فكان منيبا، ومن أناب إلى الله برئ من الشرك فكان سليما:
* (ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود) *.
ثم قال تعالى: * (أدخلوها بسلام) *.
فالضمير عائد إلى الجنة التي في * (وأزلفت الجنة) * (ق: 31) أي لما تكامل حسنها وقربها وقيل لهم إنها منزلكم بقوله: * (هذا ما توعدون) * (ق: 32) أذن لهم في دخولها وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الخطاب مع من؟ نقول: إن قرىء * (ما توعدون) * بالتاء فهو ظاهر إذ لا يخفى أن الخطاب مع الموعودين، وإن قرىء بالياء فالخطاب مع المتقين أي يقال للمتقين أدخلوها.
المسألة الثانية: هذا يدل على أن ذلك يتوقف على الإذن، وفيه من الانتظار ما لا يليق بالإكرام، نقول ليس كذلك، فإن من دعا مكرما إلى بستانه يفتح له الباب ويجلس في موضعه، ولا يقف على الباب من يرحبه، ويقول إذا بلغت بستاني فادخله، وإن لم يكن هناك أحد يكون قد أخل بإكرامه بخلاف من يقف على باب قوم يقولون: أدخل باسم الله، يدل على الإكرام قوله تعالى: * (بسلام) * كما يقول المضيف: أدخل مصاحبا بالسلامة والسعادة والكرامة، والباء للمصاحبة في معنى الحال، أي سالمين مقرونين بالسلامة، أو معناه أدخلوها مسلما عليكم، ويسلم الله وملائكته عليكم، ويحتمل عندي وجها آخر، وهو أن يكون ذلك إرشادا للمؤمنين إلى مكارم الأخلاق في ذلك اليوم كما أرشدوا إليها في الدنيا، حيث قال تعالى: * (لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) * (النور: 27) فكأنه تعالى قال: هذه داركم ومنزلكم، ولكن