ثانيها: أن أحدا من الأنبياء لا يدخل الجنة قبلك وأمة من الأمم لا تدخل الجنة قبل أمتك. ثالثها: أن ما للعموم والمراد كل ما جاء به جبريل، وهذا على قولنا بأن المراد جبريل صحيح، والوجهان المتقدمان على قولنا المراد محمد عليه الصلاة والسلام أظهر، وفيه وجه غريب من حيث العربية مشهور معناه عند الأصوليين، ولنبين ذلك في معرض الجواب عن سؤال، وهو أن يقال بم عرف محمد صلى الله عليه وسلم أن جبريل ملك من عند الله وليس أحدا من الجن، والذي يقال إن خديجة كشفت رأسها امتحانا في غاية الضعف إن ادعى ذلك القائل أن المعرفة حصلت بأمثال ذلك، وهذا إن أراد القصة والحكاية، وإن خديجة فعلت هذا لأن فعل خديجة غير منكر وإنما المنكر دعوى حصول المعرفة بفعلها وأمثالها، وذلك لأن الشيطان ربما تستر عند كشف رأسها أصلا فكان يشتبه بالملائكة فيحصل اللبس والإبهام؟ والجواب الصحيح من وجهين أحدهما: أن الله أظهر على يد جبريل معجزة عرفه النبي صلى الله عليه وسلم بها كما أظهر على يد محمد معجزات عرفناه بها وثانيهما: أن الله تعالى خلق في محمد صلى الله عليه وسلم علما ضروريا بأن جبريل من عند الله ملك لا جني ولا شيطان كما أن الله تعالى خلق في جبريل علما ضروريا أن المتكلم معه هو الله تعالى وأن المرسل له ربه لا غيره.
إذا علم الجوابان فنقول قوله تعالى:
* (فأوحى إلى عبده مآ أوحى) *.
فيه وجهان أحدهما: أوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحاه إلى جبريل أي كلمه الله أنه وحي أو خلق فيه علما ضروريا ثانيهما: أوحى إلى جبريل ما أوحى إلى محمد دليله الذي به يعرف أنه وحي، فعلى هذا يمكن أن يقال ما مصدرية تقديره فأوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم الإيحاء أي العلم بالإيحاء، ليفرق بين الملك والجن.
* (ما كذب الفؤاد ما رأى) *.
فيه مسائل:
المسألة الأولى: الفؤاد فؤاد من؟ نقول المشهور أنه فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم معناه أنه ما كذب فؤاده واللام لتعريف ما علم حاله لسبق ذكر محمد عليه الصلاة والسلام في قوله * (إلى عبده) * وفي قوله * (وهو بالأفق الأعلى) * (النجم: 7) وقوله تعالى: * (ما ضل صاحبكم) * (النجم: 2) ويحتمل أن يقال * (ما كذب الفؤاد) * أي جنس الفؤاد لأن المكذب هو الوهم والخيال يقول كيف يرى الله أو كيف يرى جبريل مع أنه ألطف من الهوى والهواء لا يرى، وكذلك يقول الوهم والخيال إن رأى ربه رأى في جهة ومكان وعلى هيئة والكل ينافي كون المرئي إلها، ولو رأى جبريل عليه السلام مع أنه صار على صورة دحية أو غيره فقد انقلبت حقيقته ولو جاز ذلك لارتفع الأمان عن المرئيات، فنقول رؤية الله تعالى ورؤية جبريل عليه السلام على ما رآه محمد عليه الصلاة والسلام جائزة عند من له قلب فالفؤاد لا ينكر ذلك، وإن كانت النفس المتوهمة والمتخيلة تنكره.