* (ما انتصر) * أي لشيء من شأنه ذلك، كما تقول فلان لا ينصر أو فلان ليس ينصر.
ثم قال تعالى:
* (وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين) *.
قرىء: * (قوم) * بالجر والنصب فما وجههما؟ نقول: أما الجر فظاهر عطفا على ما تقدم في قوله تعالى: * (وفي عاد) * (الذاريات: 41) * (وفي موسى) * (الذاريات: 38)، تقول لك في فلان عبرة وفي فلان وفلان، وأما النصب فعلى تقدير: وأهلكنا قوم نوح من قبل، لأن ما تقدم دل على الهلاك فهو عطف على المحل، وعلى هذا فقوله: * (من قبل) * معناه ظاهر كأنه يقول: * (وأهلكنا قوم نوح من قبل) * وأما على الوجه الأول فتقديره: وفي قوم نوح لكم عبرة من قبل ثمود وعاد وغيرهم.
ثم قال تعالى:
* (والسمآء بنيناها بأيد وإنا لموسعون) *.
وهو بيان للوحدانية، وما تقدم كان بيانا للحشر.
وأما قوله ههنا: * (والسماء بنيناها بأيد) * وأنتم تعرفون أن ما تعبدون من دون الله ما خلقوا منها شيئا فلا يصح الإشراك، ويمكن أن يقال هذا عود بعد التهديد إلى إقامة الدليل، وبناء السماء دليل على القدرة على خلق الأجسام ثانيا، كما قال تعالى: * (أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم) * (يس: 81) وفيه مسائل:
المسألة الأولى: النصب على شريطة التفسير يختار في مواضع، وإذا كان العطف على جملة فعليه فما تلك الجملة؟ نقول في بعض الوجوه التي ذكرناها في قوله تعالى: * (وفي عاد) * (الذاريات: 41) * (وفي ثمود) * (الذاريات: 43) تقديره وهل أتاك حديث عاد وهل أتاك حديث ثمود، عطفا على قوله: * (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين) * (الذاريات: 24) وعلى هذا يكون ما تقدم جملة فعلية لا خفاء فيه، وعلى غير ذلك الوجه فالجار والمجرور النصب أقرب منه إلى الرفع فكان عطفا على ما بالنصب أولى، ولأن قوله تعالى: * (فنبذناهم) * (الذاريات: 40) وقوله: * (أرسلنا) * (الذاريات: 32) وقوله تعالى: * (فأخذتهم الصاعقة) * (الذاريات: 44) و * (فما استطاعوا) * (الذاريات: 45) كلها فعليات فصار النصب مختارا.
المسألة الثانية: كرر ذكر البناء في السماوات، قال تعالى: * (والسماء وما بناها) * (الشمس: 5) وقال تعالى: * (أم السماء بناها) * (النازعات: 27) وقال تعالى: * (جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء) * (غافر: 65) فما الحكمة فيه؟ نقول فيه وجوه. أحدها: أن البناء باق إلى قيام القيامة لم يسقط منه شيء ولم يعدم منه جزء، وأما الأرض فهي في التبدل والتغير فهي كالفرش الذي يبسط ويطوي وينقل، والسماء كالبناء المبني الثابت، وإليه الإشارة بقوله تعالى: * (سبعا شدادا) * (النبأ: 12) وأما الأراضي فكم منها ما صار بحرا وعاد أرضا من وقت