* (زوجناهم) * ذكره بفعل ماض و * (متكئين) * حال ولم يسبق ذكر فعل ماض يعطف عليه ذلك وعطف الماضي على الماضي والمستقبل على المستقبل أحسن، نقول الجواب من وجوه اثنان لفظيان ومعنوي أحدها: أن ذلك حسن في كثير من المواضع، تقول جاء زيد ويجيء عمرا وخرج زيد ثانيها: أن قوله تعالى: * (إن المتقين في جنات ونعيم) * تقديره أدخلناهم في جنات، وذلك لأن الكلام على تقدير أن في اليوم الذي يدع الكافر في النار في ذلك الوقت يكون المؤمن قد أدخل مكانه، فكأنه تعالى يقول في يوم يدعون إلى نار جهنم إن المتقين كائنون في جنات والثالث: المعنوي وهو أنه تعالى ذكر مجزاة الحكم، فهو في هذا اليوم زوج عباده حورا عينا، وهن منتظرات الزفاف يوم الآزفة.
* (الذين هم فى خوض يلعبون) *.
ثم قال تعالى: * (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم) * وفيه لطائف الأولى: أن شفقة الأبوة كما هي في الدنيا متوفرة كذلك في الآخرة، ولهذا طيب الله تعالى قلوب عباده بأنه لا يولههم بأولادهم بل يجمع بينهم، فإن قيل قد ذكرت في تفسير بعض الآيات أن الله تعالى يسلي الآباء عن الأبناء وبالعكس، ولا يتذكر الأب الذي هو من أهل الجنة الابن الذي هو من أهل النار، نقول الولد الصغير وجد في والده الأبوة الحسنة ولم يوجد لها معارض ولهذا ألحق الله الولد بالوالد في الإسلام في دار الدنيا عند الصغر وإذا كبر استقل، فإن كفر ينسب إلى غير أبيه، وذلك لأن الإسلام للمسلمين كالأب ولهذا قال تعالى: * (إنما المؤمنون إخوة) * (الحجرات: 10) جمع أخ بمعنى أخوة الولادة والإخوان جمعه بمعنى أخوة الصداقة والمحبة فإذن الكفر من حيث الحس والعرف أب، فإن خالف دينه دين أبيه صار له من حيث الشرع أب آخر، وفيه ارشاد الآباء إلى أن لا يشغلهم شيء عن الشفقة على الولد فيكون من القبيح الفاحش أن يشتغل الإنسان بالتفرج في البستان مع الأحبة الإخوان وعن تحصيل قوت الولدان، وكيف لا يشتغل أهل الجنة بما في الجنة من الحور العين عن أولادهم حتى ذكروهم فأراح الله قلوبهم بقوله * (ألحقنا بهم ذرياتهم) * وإذا كان كذلك فما ظنك بالفاسق الذي يبذر ماله في الحرام ويترك أولاده يتكففون وجوه اللئام والكرام، نعوذ بالله منه وهذا يدل على أن من يورث أولاده مالا حلالا يكتب له به صدقة، ولهذا لم يجوز للمريض التصرف في أكثر من الثلث. اللطيفة الثانية: قوله تعالى: * (واتبعتهم ذريتهم) * فهذا ينبغي أن يكون دليلا على أنا في الآخرة نلحق بهم لأن في دار الدنيا مراعاة الأسباب أكثر. ولهذا لم يجر الله عادته على أن يقدم بين يدي الإنسان طعاما من السماء، فما يتسبب له بالزراعة والطحن والعجن لا يأكله، وفي الآخرة يؤتيه ذلك من غير سعي جزاء له على ما سعى له من قبل فينبغي أن يجعل ذلك دليلا ظاهرا على أن