والثانية: مدح المؤمنين، أي لستم ممن إذا فعلوا سيئة لا يلتفتون إليها بل تصبحون نادمين عليها.
ثم قال تعالى * (واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم فى كثير من الامر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الايمان وزينه فى قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون) *.
ولنذكر في تفسير هذه الآية ما قيل وما يجوز أن يقال، أما ما قيل فلنختر أحسنه وهو ما اختاره الزمخشري فإنه بحث في تفسير هذه الآية بحثا طويلا، فقال قوله تعالى: * (لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم) * ليس كلاما مستأنفا لأدائه إلى تنافر النظم، إذ لا تبقى مناسبة بين قوله * (واعلموا) * وبين قوله * (لو يطيعكم) * ثم وجه التعلق هو أن قوله * (لو يطيعكم) * في تقدير حال من الضمير المرفوع في قوله * (فيكم) * كان التقدير كائن فيكم، أو موجود فيكم، على حال تريدون أن يطيعكم أو يفعل باستصوابكم، ولا ينبغي أن يكون في تلك الحال، لأنه لو فعل ذلك * (لعنتم) * أو لوقعتم في شدة أو أولمتم به.
ثم قال تعالى: * (ولكن الله حبب إليكم الإيمان) * خطابا مع بعض من المؤمنين غير المخاطبين بقوله * (لو يطيعكم) * قال الزمخشري اكتفى بالتغاير في الصفة واختصر ولم يقل حبب إلى بعضكم الإيمان، وقال أيضا بأن قوله تعالى: * (لو يطيعكم) * دون أطاعكم يدل على أنهم كانوا يريدون استمرار تلك الحالة، ودوام النبي صلى الله عليه وسلم على العمل باستصوابهم، ولكن يكون ما بعدها على خلاف ما قبلها، وههنا كذلك وإن لم يكن تحصل المخالفة بتصريح اللفظ لأن اختلاف المخاطبين في الوصف يدلنا على ذلك لأن المخاطبين أولا بقوله * (لو يطيعكم) * هم الذين أرادوا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم يعمل بمرادهم، والمخاطبين بقوله * (حبب إليكم الإيمان) * هم الذين أرادوا عملهم بمراد النبي صلى الله عليه وسلم، هذا ما قاله الزمخشري واختاره وهو حسن، والذي يجوز أن يقال وكأنه هو الأقوى أن الله تعالى لما قال: * (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) * (الحجرات: 6) أي فتثبتوا واكشفوا قال بعده: * (واعلموا أن فيكم رسول الله) * أي الكشف سهل عليكم بالرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه فيكم مبين مرشد، وهذا كما يقول القائل عند اختلاف تلاميذ شيخ في مسألة: هذا الشيخ قاعد لا يريد بيان قعوده، وإنما يريد أمرهم بالمراجعة إليه، وذلك لأن المراد منه أنه