علمنا شيئا يكرهه الميت يبدي فلا معنى لقولكم إنا لا ننسب آباءنا بعد موتهم إلى الضلال، وكيف وأنتم تربطون الركائب على قبور الأكابر، وأما في التوحيد فتقولون خالق السماوات والأرض هو الله تعالى لا غيره ثم تقولون هو إله الآلهة وترجعون إلى الشرك، وأما في قول النبي صلى الله عليه وسلم فتقولون إنه مجنون ثم تقولون له إنك تغلبنا بقوة جدلك، والمجنون كيف يقدر على الكلام المنتظم المعجز، إلى غير ذلك من الأمور المتناقضة.
ثم قال تعالى:
* (يؤفك عنه من أفك) *.
وفيه وجوه.
أحدها: أنه مدح للمؤمنين، أي يؤفك عن القول المختلف ويصرف من صرف عن ذلك القول ويرشد إلى القول المستوي.
وثانيها: أنه ذم معناه يؤفك عن الرسول.
ثالثها: يؤفك عن القول بالحشر.
رابعها: يؤفك عن القرآن، وقرئ يؤفن عنه من أفن، أي يحرم، وقرئ يؤفك عنه من أفك، أي كذب.
ثم قال تعالى:
* (قتل الخراصون) *.
وهذا يدل على أن المراد من قوله: * (لفي قول مختلف) * (الذاريات: 8) أنهم غير ثابتين على أمر وغير جازمين بل هم يظنون ويخرصون، ومعناه لعن الخراصون دعاء عليهم بمكروه.
ثم وصفهم فقال:
* (الذين هم فى غمرة ساهون) *.
وفيه مسألتان إحداهما لفظية والأخرى معنوية.
أما اللفظية: فقوله: * (ساهون) * يحتمل أن يكون خبرا بعد خبر، والمبتدأ هو قوله: * (هم) * وتقديره هم كائنون في غمرة ساهون، كما يقال زيد جاهل جائز لا على قصد وصف الجاهل بالجائز، بل الإخبار بالوصفين عن زيد، ويحتمل أن يكون * (ساهون) * خبرا و * (في غمرة) * ظرف له كما يقال: زيد في بيته قاعد يكون الخبر هو القاعد لا غير وفي بيته لبيان ظرف القعود كذلك * (في غمرة) * لبيان ظرف السهو الذي يصحح وصف المعرفة بالجملة، ولولاها لما جاز وصف المعرفة بالجملة.
وأما المعنوية: فهي أن وصف الخراص بالسهو والانهماك في الباطل، يحقق ذلك كون الخراص صفة ذم، وذلك لأن ما لا سبيل إليه إلا الظن إذا خرص الخارص وأطلق عليه الخراص لا يكون ذلك مفيد نقص، كما يقال في خراص الفواكه والعساكر وغير ذلك، وأما الخرص في محل المعرفة واليقين فهو ذم فقال: قتل الخراصون الذين هم جاهلون ساهون لا الذين تعين طريقهم في التخمين والحزر وقوله تعالى: * (ساهون) * بعد قوله: * (في غمرة) * يفيد أنهم وقعوا في جهل وباطل ونسوا أنفسهم يه فلم يرجعوا عنه.
ثم قال تعالى:
* (يسالون أيان يوم الدين) *.
فإن قيل: الزمان يجعل ظرف الأفعال ولا يمكن