* (فويل يومئذ للمكذبين * الذين هم فى خوض يلعبون) *.
ومن جملة الفوائد اللفظية أن لات يختص استعمالها بالزمان قال الله تعالى (ولات حين مناص) ولا يقال لات رجل سوء، وذلك لان الزمان تجدد بعد تجدد ولا يبقى بعد الفناء حياة أخرى وبعد كل حركة حركة أخرى وبعد كل زمان وإليه الإشارة بقوله تعالى (كل يوم هو في شأن) أي قبل الخلق لم يخلق شيئا، لكنه يعد ما خلق فهو ابدا دائما يخلق شيئا بعد شئ فبعد حياتنا موت وبعد موتنا حياة وبعد حياتنا حساب وبعد الحساب ثواب دائم أو عقاب لازم ولا يترك الله الفعل فلما بعد الزمان عن الفنى زيد في الحروف النافية زيادة. فان قيل فالله تعالى أبعد عن الانتفاء فكان ينبغي أن لا تقرن التاء بكلمة لا هناك، نقول في (لات حين مناص) تأويل وعليه لا يرد ما ذكرتم وهو أن لا هي المشبهة بليس تقديره ليس الحين حين مناص، وهو المشهور، ولذلك اختص بالحين دون اليوم اليوم والليل والليل لان الحين أدوم من الليل والنهار فالليل والنهار قد لا يكون والحين يكون.
ثم قال تعالى (فويل يومئذ للمكذبين الذين هم في خوض يلعبون) أي إذا علم أن عذاب الله واقع وأنه ليس له دافع فويل إذا للمكذبين، فالفاء لاتصال المعنى، وهو الإيذان بأمان أهل الإيمان، وذلك لأنه لما قال: * (إن عذاب ربك لواقع) * (الطور: 7) لم يبين بأن موقعه بمن، فلما قال: * (فويل يومئذ للمكذبين) * علم المخصوص به وهو المكذب، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: إذا قلت بأن قوله * (ويل يومئذ للمكذبين) * بيان لمن يقع به العذاب وينزل عليه فمن لا يكذب لا يعذب، فأهل الكبائر لا يعذبون لأنهم لا يكذبون، نقول ذلك العذاب لا يقع على أهل الكبائر وهذا كما في قوله تعالى: * (كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا) * (الملك: 8، 9) فنقول المؤمن لا يلقى فيها إلقاء بهوان، وإنما يدخل فيها ليظهر إدخال مع نوع إكرام، فكذلك الويل للمكذبين، والويل ينبئ عن الشدة وتركيب حروف الواو والياء واللام لا ينفك عن نوع شدة، منه لوى إذا دفع ولوى يلوي إذا كان قويا والولي فيه القوة على المولى عليه، ويدل عليه قوله تعالى: * (يدعون) * (الطور: 13) فإن المكذب يدع والمصدق لا يدع، وقد ذكرنا جواز التنكير في قوله * (ويل) * مع كونه مبتدأ لأنه في تقدير المنصوب لأنه دعاء ومضى، وجهه في قوله تعالى: * (قال سلام) * (الذاريات: 25) والخوض نفسه خص في استعمال القرآن بالاندفاع في الأباطيل، ولهذا قال تعالى: * (وخضتم كالذي خاضوا) * (التوبة: 69) وقال تعالى: * (وكنا نخوض مع الخائضين) * (المدثر: 45) وتنكير الخوض يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون للتكثير أي في خوض كامل عظيم ثانيهما: أن يكون التنوين تعويضا عن المضاف إليه، كما في قوله تعالى: * (إلا) * (التوبة: 8) وقوله * (وإن كلا) * (هود: 111) و * (بعضهم ببعض) * (البقرة: 251). والأصل في خوضهم المعروف منهم وقوله * (الذين هم في خوض) * ليس وصفا للمكذبين بما يميزهم، وإنما هو للذم كما أنك تقول الشيطان الرجيم