والمؤمن وجد منه ذلك أيضا، وبالجهاد يعلم الصادق من الكاذب، كما قال تعالى: * (أولئك هم الصادقون) *، (الحجرات: 15) وثانيها: إخبارهم من عدم التولية في قوله * (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار) * (الأحزاب: 15) إلى غير ذلك، فالمؤمن وفى بعهده وقاتل مع أصحابه في سبيل الله كأنهم بنيان مرصوص والمنافق كان كالهباء ينزعج بأدنى صيحة وثالثها: المؤمن كان له أخبار صادقة مسموعة من النبي عليه السلام كقوله تعالى: * (لتدخلن المسجد الحرام) * (الفتح: 27)، * (لأغلبن أنا ورسلي) * (المجادلة: 21)، و * (إن جندنا لهم الغالبون) * (الصافات: 173) وللمنافق أخبار أراجيف كما قال تعالى في حقهم * (والمرجفون في المدينة) * (الأحزاب: 60) فعند تحقق الإيجاف، يتبين الصدق من الإرجاف.
قوله تعالى * (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشآقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم) *.
فيه وجهان أحدهما: هم أهل الكتاب قريظة والنضير والثاني: كفار قريش يدل على الأول قوله تعالى: * (من بعد ما تبين لهم الهدى) * قيل أهل الكتاب تبين لهم صدق محمد عليه السلام، وقوله * (لن يضروا الله شيئا) * تهديد معناه هم يظنون أن ذلك الشقاق مع الرسول وهم به يشاقونه وليس كذلك، بل الشقاق مع الله فإن محمدا رسول الله ما عليه إلا البلاغ فإن ضروا يضروا الرسل لكن الله منزه عن أن يتضرر بكفر كافر وفسق فاسق، وقوله * (وسيحبط أعمالهم) * قد علم معناه.
فإن قيل قد تقدم في أول السورة أن الله تعالى أحبط أعمالهم فكيف يحبط في المستقبل؟ فنقول الجواب عنه من وجهين أحدهما: أن المراد من قوله * (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله) * (محمد: 1) في أول السورة المشركون، ومن أول الأمر كانوا مبطلين، وأعمالهم كانت على غير شريعة، والمراد من الذين كفروا ههنا أهل الكتاب وكانت لهم أعمال قبل الرسول فأحبطها الله تعالى بسبب تكذيبهم الرسول ولا ينفعهم إيمانهم بالحشر والرسل والتوحيد، والكافر المشرك أحبط عمله حيث لم يكن على شرع أصلا ولا كان معترفا بالحشر الثاني: هو أن المراد بالأعمال ههنا مكايدهم في القتال وذلك في تحقق منهم والله سيبطله حيث يكون النصر للمؤمنين، والمراد بالأعمال في أول السورة هو ما ظنوه حسنة.
قوله تعالى * (يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم) *.
العطف ههنا من باب عطف المسبب على السبب يقال اجلس واسترح وقم وامش لأن طاعة