لأن عنده يتم الأمر، والملك لو لم يكن هناك من يخالفه أو يوافقه فيرسل إليه نذيرا أو بشيرا لا يرسل وإن كان ملكا عظيما، وإذا حصل المخالف أو الموافق يرسل وإن كان غير عظيم، ثم المرسل لأنه متعين وهو الباعث، وأما الرسول فباختياره، ولولا المرسل المتعين لما تمت الرسالة، وأما الرسول فلا يتعين، لأن للملك اختيار من يشاء من عباده، فقال: * (منه) * ثم قال: * (نذير) * تأخيرا للرسول عن المرسل.
ثالثها: قوله: * (مبين) * إشارة إلى ما به تعرف الرسالة، لأن كل حادث له سبب وعلامة، فالرسول هو الذي به تتم الرسالة، ولا بد له من علامة يعرف به، فقوله: فقوله: * (مبين) * إشارة إليها وهي إما البرهان والمعجزة.
* (ولا تجعلوا مع الله إلها ءاخر إنء لكم منه نذير مبين) *.
ثم قال تعالى: * (ولا تجعلوا مع الله إلها آخر) * إتماما للتوحيد، وذلك لأن التوحيد بين التعطيل والتشريك، وطريقة التوحيد هي الطريقة، فالمعطل يقول لا إله أصلا، والمشرك يقول في الوجود آلهة، والموحد يقول قوله الاثنين باطل، نفي الواحد باطل، فقوله تعالى: * (ففروا إلى الله) * (الذاريات: 50) أثبت وجود الله، ولما قال: * (ولا تجعلوا مع الله إلها آخر) * نفى الأكثر من الواحد فصح التوحيد بالآيتين، ولهذا قال مرتين: * (إني لكم منه نذير مبين) * أي في المقامين والموضعين، وقد ذكرنا مرارا أن المعطل إذا قال لا واجب يجعل الكل ممكنا، فإن كل موجود ممكن، ولكن الله في الحقيقة موجود، فقد جعله في تضاعيف قوله كالممكنات فقد أشرك، وجعل الله كغيره، والمشرك لما قال بأن غيره إله يلزم من قوله نفي كون الإله إلها لما ذكرنا في تقرير دلالة التمانع مع أنه لو كان فيهما آلهة إلا الله للزم عجز كل واحد، فلا يكون في الوجود إله أصلا، فيكون نافيا للإلهية، فيكون معطلا، فالمعطل مشرك، والمشرك معطل، وكل واحد من الفريقين معترف بأن اسمه مبطل، لكنه هو على مذهب خصمه يقول إنه نفسه مبطل وهو لا يعلم، والحمد لله الذي هدانا، وقوله * (ولا تجعلوا) * فيه لطيفة، وهي أنه إشارة إلى أن الآلهة مجعولة، لا يقال فالله متخذ لقوله * (فاتخذه وكيلا) * (المزمل: 9) قلنا الجواب: عنه الظاهر، وقد سبق في قوله تعالى: * (واتخذوا من دون الله آلهة) * (مريم: 81).
* (كذلك مآ أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون) *.
والتفسير معلوم مما سبق، وقد ذكرنا أنه يدل على أن ذكر الحكايات للتسلية، غير أن فيه لطيفة واحدة لا نتركها، وهي أن هذه الآية دليل على أن كل رسول كذب، وحينئذ يرد عليه أسئلة الأول: هو أنه من الأنبياء من قرر دين النبي الذي كان قبله، وبقي القوم على ما كانوا عليه