المسألة الثالثة: ما الذي ينادي المنادي؟ فيه وجوه محتملة منقولة معقولة وحصرها بأن نقول المنادي إما أن يكون هو الله تعالى أو الملائكة أو غيرهما وهم المكلفون من الإنس والجن في الظاهر، وغيرهم لا ينادي، فإن قلنا هو تعالى فيه وجوه. أحدها: ينادي: * (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم) * (الصافات: 22). ثانيها: ينادي * (ألقيا في جهنم كل كفار عنيد) * (ق: 24) مع قوله: أدخلوها بسلام) * (ق: 34) ومثله قوله تعالى: * (خذوه فغلوه) * (الحاقة: 30) يدل على هذا قوله تعالى: * (يوم يناد المناد من مكان قريب) * (ق: 41) وقال: * (وأخذوا من مكان قريب) * (سبأ: 51). ثالثها: غيرهما لقوله تعالى: * (يناديهم أين شركائي) * وغير ذلك، وأما على قولنا المنادي غير الله ففيه وجوه أيضا. أحدها: قول إسرافيل: أيتها العظام البالية اجتمعوا للوصل واستمعوا للفصل. ثانيها: النداء مع النفس يقال للنفس ارجعي إلى ربك لتدخلي مكانك من الجنة أو النار. ثالثها: ينادي مناد هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار، كما قال تعالى: * (فريق في الجنة وفريق في السعير) * (الشورى: 7) وعلى قولنا المنادي هو المكلف فيحتمل أن يقال هو ما بين الله تعالى في قوله: * (ونادوا يا مالك) * (الزخرف: 77) أو غير ذلك إلا أن الظاهر أن المراد أحد الوجهين الأولين، لأن قوله المنادي للتعريف وكون الملك في ذلك اليوم مناديا معروف عرف حاله وإن لم يجر ذكره، فيقال: قال صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن قد سبق ذكره، وأما أن الله تعالى مناد فقد سبق في هذه السورة في قوله: * (ألقيا) * (ق: 24) وهذا نداء، وقوله: * (يوم نقول لجهنم) * (ق: 30) وهو نداء، وأما المكلف ليس كذلك، وقوله تعالى: * (من مكان قريب) * إشارة إلى أن الصوت لا يخفى على أحد بل يستوي في استماعه كل أحد وعلى هذا فلا يبعد حمل المنادي على الله تعالى إذ ليس المراد من المكان القريب نفس المكان بل ظهور النداء وهو من الله تعالى أقرب، وهذا كما قال في هذه السورة: * (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) * (ق: 16) وليس ذلك بالمكان ثم قال تعالى: * (يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج) *.
هذا تحقيق ما بينا من الفائدة في قوله: * (واستمع) * (ق: 41) أي لا تكن من الغافلين حتى لا تصعق يوم الصيحة، وبيانه هو أنه قال استمع أي كن قبل أن تستمع مستيقظا لوقوعه، فإن السمع لا بد منه أنت وهم فيه سواء فهم يسمعون لكن من غير استماع فيصعقون وأنت تسمع بعد الاستماع فلا يؤثر فيك إلا ما لا بد منه و * (يوم) * يحتمل وجوها. أحدها: ما قاله الزمخشري أنه بدل من يوم في قوله: * (واستمع يوم يناد المناد) * والعامل فيهما الفعل الذي يدل عليه قوله تعالى: * (ذلك يوم الخروج) * (ق: 42) أي يخرجون يوم يسمعون. ثانيها: أن * (يوم يسمعون) * العامل فيه مما في قوله ذلك * (يوم يناد المناد) * العامل فيه ما ذكرنا. ثالثها: أن يقال استمع عامل في يوم ينادي كما ذكرنا وينادي عامل في يسمعون، وذلك لأن يوم ينادي وإن لم يجز أن يكون منصوبا بالمضاف إليه وهو ينادي لكن غيره يجوز أن يكون منصوبا به، يقال: أذكر حال زيد ومذلته يوم ضربه عمرو، ويوم كان عمرو