حالة، وزجرا لأمثاله عن مثل فعاله، فيقال هو كان الكريم فكرمه لما فيه من الغريزة الحسنة، لكن فلانا أغضبه وظهر منه الغضب، فيجعل الغضب ظاهرا من الفعل، والفعل الحسن ظاهرا من الكرم، فالغضب في الكريم بعد فعل، والفعل منه بعد كرم، ومن هذا يعرف لطف قوله * (ما أسخط الله وكرهوا رضوانه) *.
ثم قال تعالى: * (فأحبط أعمالهم) * حيث لم يطلبوا إرضاء الله، وإنما طلبوا إرضاء الشيطان والأصنام.
قوله تعالى * (أم حسب الذين فى قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم) *.
قوله تعالى: * (أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم) *. هذا إشارة إلى المنافقين و * (أم) * تستدعي جملة أخرى استفهامية إذا كانت للاستفهام، لأن كلمة * (أم) * إذا كانت متصلة استفهامية تستدعي سبق جملة أخرى استفهامية، يقال أزيد في الدار أم عمرو، وإذا كانت منقطعة لا تستدعي ذلك، يقال إن هذا لزيد أم عمرو، وكما يقال بل عمرو، والمفسرون على أنها منقطعة، ويحتمل أن يقال إنها استفهامية، والسابق مفهوم من قوله تعالى: * (والله يعلم إسرارهم) * فكأنه تعالى قال: أحسب الذين كفروا أن لن يعلم الله إسرارهم أم حسب المنافقون أن لن يظهرها والكل قاصر، وإنما يعلمها ويظهرها، ويؤيد هذا أن المتقطعة لا تكاد تقع في صدر الكلام فلا يقال ابتداء، بل جاء زيد، ولا أم جاء عمرو، والإخراج بمعنى الإظهار فإنه إبراز، والأضغان هي الحقود والأمراض، واحدها ضغن.
ثم قال تعالى * (ولو نشآء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم فى لحن القول والله يعلم أعمالكم) *.
ثم قال تعالى: * (ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم) *. لما كان مفهوم قوله * (أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم) * (محمد: 29) أن الله يظهر ضمائرهم ويبرز سرائرهم كأن قائلا قال فلم لم يظهر فقال أخرناه لمحض المشيئة لا لخوف منهم، كما لا تفشى أسرار الأكابر خوفا منهم * (ولو نشاء لأريناكهم) * أي لا مانع لنا والإراءة بمعنى التعريف، وقوله * (فلتعرفنهم) * لزيادة فائدة، وهي أن التعريف قد يطلق ولا يلزمه المعرفة، يقال عرفته ولم يعرف وفهمته ولم يفهم فقال ههنا * (فلعرفتهم) * يعني عرفناهم تعريفا تعرفهم به، إشارة إلى قوة التعريف، واللام في قوله * (فلعرفتهم) * هي التي تقع في جزاء لو كما في قوله * (لأريناكهم) * أدخلت على المعرفة إشارة إلى أن المعرفة كالمرتبة على المشيئة كأنه قال: ولو نشاء لعرفتهم، ليفهم أن المعرفة غير متأخرة عن التعريف فتفيد تأكيد التعريف، أي لو نشاء لعرفناك تعريفا معه المعرفة