الاستعجال، وما خطبكم المعجل لكم؟ نقول: لو كان أوجس منهم خيفة وخرجوا من غير بشارة وإيناس ما كان يقول شيئا، فلما آنسوه قال: ما خطبكم، أي بعد هذا الأنس العظيم، ما هذا الإيحاش الأليم.
المسألة الثانية: هل في الخطب فائدة لا توجد في غيره من الألفاظ؟ نقول: نعم، وذلك من حيث إن الألفاظ المفردة التي يقرب منها الشغل والأمر والفعل وأمثالها، وكل ذلك لا يدل على عظم الأمر، وأما الخطب فهو الأمر العظيم، وعظم الشأن يدل على عظم من على يده ينقضي، فقال: * (ما خطبكم) * أي لعظمتكم لا ترسلون إلا في عظيم، ولو قال بلفظ مركب بأن يقول ما شغلكم الخطير وأمركم العظيم للزم التطويل، فالخطب أفاد التعظيم مع الإيجاز.
المسألة الثالثة: من أين عرف كونهم مرسلين، فنقول قالوا له بدليل قوله تعالى: * (إنا أرسلنا إلى قوم لوط) * (هود: 70) وإنما لم يذكر ههنا لما بينا أن الحكاية ببسطها مذكورة في سورة هود، أو نقول لما قالوا لامرأته: * (كذلك قال ربك) * (الذاريات: 30) علم كونهم منزلين من عند الله حيث كانوا يحكون قول الله تعالى، يدل على هذا أن قولهم: * (إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين) * كان جواب سؤاله منهم.
* (قالوا إنآ أرسلنآ إلى قوم مجرمين) *.
المسألة الرابعة: هذه الحكاية بعينها هي المحكية في هود، وهناك قالوا: * (إنا أرسلنا) * (هود: 70) بعد ما زال عنه الروع وبشروه، وهنا قالوا: * (إنا أرسلنا) * بعدما سألهم عن الخطب، وأيضا قالوا هناك: * (إنا أرسلنا إلى قوم لوط) * (هود: 70) وقالوا ههنا: * (إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين) * والحكاية من قولهم، فإن لم يقولوا ذلك ورد السؤال أيضا، فنقول إذا قال قائل حاكيا عن زيد: قال زيد عمرو خرج، ثم يقول مرة أخرى: قال زيد إن بكرا خرج، فإما أن يكون صدر من زيد قولان، وإما أن لا يكون حاكيا مما قاله زيد، والجواب عن الأول: هو أنه لما خاف جاز أنهم ما قالوا له * (لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط) * فلما قال لهم ماذا تفعلون بهم، كان لهم أن يقولوا: * (إنا أرسلنا إلى قوم لوط) * لنهلكهم، كما يقول القائل: خرجت من البيت، فيقال: لماذا خرجت؟ فيقول: خرجت لأتجر، لكن ههنا فائدة معنوية، وهي أنهم إنما قالوا في جواب ما خطبكم نهلكهم؟ بأمر الله، لتعلم براءتهم عن إيلام البريء، وإهمال الردئ فأعادوا لفظ الإرسال، وأما عن الثاني: نقول الحكاية قد تكون حكاية اللفظ، كما تقول: قال زيد بعمرو مررت، فيحكي لفظه المحكي، وقد يكون حكاية لكلامه بمعناه تقول: زيد قال عمرو خرج، ولك أن تبدل مرة أخرى في غير تلك الحكاية بلفظة أخرى، فتقول لما قال زيد بكر خرج، قلت كيت وكيت، كذلك ههنا القرآن لفظ معجز، وما صدر ممن تقدم نبينا عليه السلام سوا كان منهم، وسواء كان منزلا عليهم لم يكن لفظه معجزا، فيلزم أن لا تكون هذه الحكايات بتلك الألفاظ، فكأنهم قالوا له: * (إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين) * وقالوا: